Site icon IMLebanon

هل من فرصة لانتخاب رئيس؟

 

أعطى التمديد العسكري أملاً بانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا الأمل مردّه إلى عدة عوامل تبدأ من انّ التوافق الذي تأمّن في التمديد يمكن ان يتأمّن في الرئاسة، ولا تنتهي بظروف المرحلة.

يختلف التمديد العسكري عن الانتخابات الرئاسية من أربع زوايا أساسية: الزاوية الأولى استمرار القديم على قدمه في مؤسسة يعود تعيين قائدها لرئيس الجمهورية غير الموجود، والزاوية الثانية حرب غزة الممتدة جنوباً وكل تشعباتها الدولية والقرار 1701 وتستدعي عدم المجازفة في إفقادها توازنها وتماسكها، والثالثة الخشية المسيحية المتزايدة والمتفاقمة من تفريغ المواقع المسيحية، والرابعة ان دور المؤسسة يبقى محصورا بالشق العسكري خلافا للرئاسة الأولى التي تشكل رأس الدولة وواجهتها.

 

وعلى رغم أهمية المؤسسة العسكرية، إلا ان دورها يبقى محصورا في المجال العسكري لا السياسي خلافاً لرئاسة الجمهورية التي تختلف الحسابات في شأنها بسبب دورها التنفيذي في التوقيع على تأليف الحكومات أو عدمه، ودور الرئيس داخل الحكومة وعلى المستوى الوطني وفي المحافل الدولية، وبالتوازي مع ذلك تعامل الفريق المُمانع مع الرئاسة الأولى باعتبارها هدفاً من أهدافه ليكون رئيس الجمهورية من صفوفه ومؤيداً لمشروعه وشريكاً عن طريقه في السلطة التنفيذية كونه غير قادر على وضع اليد على رئاسة الحكومة بفِعل عمقها السعودي.

 

وإذا كان صحيحا انّ التمديد العسكري يختلف عن الانتخابات الرئاسية، إلا ان الصحيح أيضا بأنّ حصول التمديد أظهَر إمكانية التوافق على مساحة مشتركة، وفتح باب الحديث عن فرصة لانتخاب رئيس للجمهورية على قاعدة ان ما تحقّق عسكرياً يمكن ان يتحقّق رئاسياً، لأن الأساس في نهاية المطاف يكمن في التوافق والتلاقي والتقاطع، فهل هذا الانطباع في محله؟

 

قد يكون في محله وقد لا يكون كذلك والأمر يتوقّف على مدى استعداد «حزب الله» للتخلي عن فكرة قدرته على فرض رئيس للجمهورية على أخصامه بالرهان إمّا على عامل الوقت لجعلهم يسلّمون بالأمر الواقع، وإما على التطورات الإقليمية التي تمكِّنه من المقايضة بحجة مثلاً ان تطبيقه للقرار 1701 يتطلّب من يحمي ظهره، وبالتالي يحاول الدخول على الأجندة والأولويات الدولية لتحقيق المكاسب الداخلية.

والمقولة السائدة هي ان موافقة «حزب الله» على الخيار الثالث يمكن ان تحصل اليوم وفي أي وقت، وانه غير مضطر إلى هذا الخيار قبل انتهاء حرب غزة التي في حال لم تنجح إسرائيل فيها بإخراج «حماس» من القطاع وإبعاده إلى شمال الليطاني يعني انّ محوره انتصر وبإمكانه فرض رئيس الجمهورية الذي يريده. وبالتالي طالما انّ الخيار الثالث متوفِّر في كل وقت لن يهدر فرصة انتخاب مرشحه بالتعويل على ما قد تنتجه حرب غزة، ولذلك، يعتمد سياسة الانتظار التي إمّا ان تزكّي مرشحه وإمّا ان تدفعه للقبول بالخيار الثالث، بينما الموافقة على الخيار الأخير اليوم تفوِّت عليه فرصة انتخاب مرشحه لاحقاً.

 

ولكن «حزب الله» يدرك ضمنا بأنّ حظوظ بقاء «حماس» في غزة ضئيلة جدا، كما ان حظوظ عودة الوضع جنوباً إلى ما كان عليه قبل 7 تشرين ضئيلة بدورها، وان عملية «طوفان الأقصى» انعكست سلبا على وضعه وتموضعه، كما ان محور الممانعة سيخرج من هذه الحرب أضعف سياسيا ممّا كان عليه قبل هذه العملية، وبالتالي سيضطر إلى تنازلات مؤلمة من طبيعة استراتيجية تتعلّق بدوره. فكيف بالحري على مستوى رئاسة الجمهورية التي لم يتمكّن قبل الحرب من تغيير موقف المعارضة، وسيضطر بعدها إلى وضع الماء في نبيذه.

 

وبالتوازي مع مقولة ان «حزب الله» لن يبدِّل في موقفه الرئاسي قبل انتهاء حرب غزة، تتحدّث بعض المعلومات والأجواء عن انّ الحزب لن ينتظر انتهاء الحرب لانتخاب رئيس للجمهورية لثلاثة أسباب أساسية:

 

– الأول: لأنّ الخسارة المحتملة لمحور الممانعة ستدفع المعارضة إلى مزيد من التشدُّد في المواصفات الرئاسية مدعومة من توجُّه دولي يريد رفع تأثير الحزب عن الرئاسة الأولى واستطراداً السلطة التنفيذية. وبالتالي، ما يستطيع تحصيله اليوم رئاسياً لن يكون بمقدوره تحصيله لاحقاً، ومن الأنسَب له انتخاب الرئيس اليوم لا ترحيله إلى ما بعد انتهاء الحرب وترتيباتها السياسية.

 

ولا بل قد يكون من غير مصلحة المعارضة، وليس الحزب هذه المرة، انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء الحرب التي سيخرج منها خاسراً ورقة «حماس» في غزة، وخاسراً ورقة الحدود في لبنان، وقد يقول البعض ان هذا الوضع سيدفعه إلى مزيد من التشدُّد، ولكن هذا الأمر غير صحيح كونه سيلجأ إلى المرونة التي اتّبعَها بعد خروج الجيش السوري من لبنان قبل ان يعدّ العدة للانقلاب التدريجي على الوضع المستجد الذي فرضه الخروج السوري.

 

– الثاني: لأنه يريد في هذه المرحلة التي عاد التركيز فيها على دوره العسكري جنوب الليطاني ان يُظهر إيجابية مع اللجنة الخماسية رئاسيا تسهيلا لمفاوضاته حول وضعه جنوبا، ويريد ان يرسِّخ الانطباع الدولي حوله بأنه واقعي وبراغماتي، ويستكمل ما بدأه مع التمديد العسكري بوقوفه خلف النائب جبران باسيل من دون ان يتصدّر مواجهة التمديد بانتخاب رئيس للجمهورية يشكل أحد مطالب الخماسية.

 

ويعتقد «حزب الله» انه إمّا يقدِّم تنازلا كحسن نية، وهو لا يخسر أي شيء على هذا المستوى كون انتخاب مرشحه غير ممكن، فيظهر بمظهر المتساهل شكلاً وانه أقدم على تنازل، فيما في الواقع لم يقدم على أي تنازل، وإما ان يتراجع في الموقع الأقل أهمية بالنسبة إليه (رئاسة الجمهورية) مقابل ان يتشدّد في الموقع الأكثر أهمية والمتعلِّق بتموضعه العسكري.

 

– الثالث: لأنه بحاجة إلى ترييح الجبهة الداخلية وتنفيسها وضمان سلطة تنفيذية محايدة قبل الشروع في مفاوضات تطبيق القرار 1701، حيث يريد تجنُّب الشروع في مفاوضاته الدولية على وقع ضغوط خارجية وداخلية، ويعتقد ان انتخاب الرئيس وتكليف رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة سيؤدي إلى إلهاء الداخل في الوقت الذي يتفرّغ فيه لمواجهة الضغوط الخارجية.

 

ومن الواضح أنّ «حزب الله» يقول بشكل أو بآخر انه لولا اندلاع حرب غزة لما دخل الحرب واستحدث قواعد الاشتباك مع إسرائيل، ولا بل كان يتّجِه إلى مزيد من التطبيع بان ينسحب الترسيم البحري على البري، وانه على استعداد للعودة إلى وضع ما قبل 7 تشرين الأول واستكمال المفاوضات من حيث توقّفت، ولكن العقدة الجوهرية أمامه انّ إسرائيل ليست في هذا الوارد، ولم تعد مطمئنة له بعد عملية «حماس»، حيث ان هذه التنظيمات الإيرانية تتحيّن الفرصة لتسديد ضربتها العسكرية، فضلاً عن انّ سكان شمال إسرائيل ليسوا في وارد العودة إلى مستوطناتهم وبلداتهم قبل إبعاد الحزب عن الحدود.

 

ولا شك ان الأسابيع المقبلة كفيلة بإظهار ما إذا كان «حزب الله» سينتظر انتهاء الحرب ليفتح باب التسوية الرئاسية، أم سيستبق نهايتها بترك مهمة إخراج هذه الانتخابات على الرئيس نبيه بري الذي راكَمَ ثقة محلية وخارجية بدوره في التمديد العسكري، وأعطى إشارات عن استعداده لاستكمال ما بدأ عسكرياً وتتويجه رئاسياً.