أيّاً كانت مواقف الدول الخارجية (العربية والإقليمية والدولية) من الاستحقاق الرئاسي، فإن القرار النهائي يبقى في أيدي الداخل، فالنواب اللبنانيون هم الذين سيضعون الورقة في الصندوق وليس هذا الملك أو ذلك الأمير أو ذاك الرئيس. ومن الواقع ونافل القول أيضاً فإن ما أسفرت عنه الانتخابات النيابية العامة الأخيرة من نتائج تكشّفَ عن تعذر قيام كتلة، أو تحالف تكتلات ومستقلين، قادر على أن يؤمّن أكثرية كبيرة. أما الأقليات الموجودة في المجلس فهي تمثّل الانقسامات العمودية الحادة في الرأي العام الداخلي، على عجز فاقع وموصوف في احتمال التقاء أطراف منها قادرة، بأكثرية مفتَرَضة، على أن تحسم الأصوات لا على صعيد الثلثين الموجِبان لانعقاد الجلسة الانتخابية ولا الأكثرية المطلقة (65 نائباً، أي النصف زائداً واحداً) لانتخاب الرئيس في الدورة الثانية ودائماً ضمن الجلسة ذاتها.
يتعاظم هذا العجز الفادح بالرغم من توصل اللجنة الخماسية الى الاتفاق على اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون. ولكن يبدو أن سحر الأجنبي (الذي هو «برنجي كما في المَثَل اللبناني السائر») قد افتقد مفعوله على غرار ترياق العراق عندم يفشل في معالجة لدغات الأفاعي. وإلّا كيف نفسر عجز واشنطن وباريس والرياض والدوحة والقاهرة، عن إعطاء دفعة للاستحقاق الرئاسي الى الأمام، وهي التي التقت (يا سيدي لنقل «تقاطعت») عند اسم العماد جوزاف عون…
طبعاً لا يمكن النظر الى هذا المشهد من دون التوقف مليّاً أمام قرار الثنائي الشيعي، رئاسياً، الذي لا يتزحزح عن ترشيح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، وهو قرار أثبت أنه لم يستطع أن يحقق أي خرق، والعكس صحيح، فحتى الطرف الخارجي فيه، المتمثل بفرنسا، تراجع وذهب الى التكامل مع الأطراف الأربعة الأخرى في «الخماسية». من هنا لا يجوز، في المطلق، المقارنة بين دعم حزب الله ترشّح الرئيس ميشال عون في الاستحقاق الرئاسي السابق وترشيحه فرنجية في هذه المرحلة، يومها تمكن عون من الحصول على تأييد القوات اللبنانية والرئيس سعد الحريري إضافة الى تكتله النيابي الواسع (الإصلاح والتغيير)، وهذه المرة لم يحدث استقطاب أي كتلة بارزة (طبعاً غير «الحزب» وأمل)، إضافة الى المواقف الأجنبية الحادة المضادّة، لاسيما المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية.
فهل يحتاج الأمر الى معجزةٍ قد تكون في واحد من الاحتمالات الثلاثة: أن يتراجع الوزير جبران باسيل عن معارضته فرنجية؟ هل يتراجع الدكتور سمير جعجع عن موقفه المماثل؟ هل تفرض حرب غزة معادلة جديدة في مجلس النواب؟