يحاول «حزب الله» اللبناني مؤخراً إيصال رسائل سياسية على أكثر من خط، لا سيما تلك المتعلقة بالمفاوضات حول الحدود البرية والحرب في الجنوب بنفيه مصادرة قرارها من جهة، ورفضه المعلومات التي أشارت إلى مسعى لمقايضتها على ملفات داخلية، وتحديداً الانتخابات الرئاسية، من جهة أخرى.
وتطرح هذه الرسائل والمواقف التي تُطلَق بموازاة استمرار الواقع السياسي والمعطيات السياسية على ما هي عليه منذ بدء الفراغ الرئاسي، علامات استفهام، لا سيما أنها تأتي في ظل تجدُّد الحراك الذي تقوم به «اللجنة الخماسية» المؤلفة من خمس دول عربية وغربية مهتمة بالشأن اللبناني، ولقاء سفرائها في بيروت المسؤولين اللبنانيين، وعودة الحديث مجدداً حول أهمية «التوافق على مرشح للرئاسة».
ولا يرى معارضون في لبنان أن كلام «حزب الله» يمكن أن يؤسس لأي تبدّل في المشهد السياسي، وتحديداً الرئاسي، ما دام لم يعلن عن تراجعه عن دعم رئيس تيار «المردة»، سليمان فرنجية، وهو ما لا يزال مستبعداً حتى الساعة، وبالتالي استمرار تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية.
ويضع الوزير السابق النائب من حزب «القوات» اللبناني بيار بو عاصي مواقف الحزب الأخيرة في خانة «المراوغة»، مذكِّراً بأن «الحزب وحليفه رئيس البرلمان نبيه بري أقفلا البرلمان سنتين ونصف السنة إلى أن انتخب مرشح الحزب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وهما اليوم مستعدان لإقفاله أكثر من ذلك لإيصال فرنجية». ويقول بو عاصي لـ«الشرق الأوسط»: «(حزب الله) لا يملك شيئاً حتى يقايض على رئاسة الجمهورية أو غيرها، هو ليس مستعداً وغير قادر على تقديم شيء في المقابل، بل يريد أن يأخذ فقط، لأن اللاعب الأساسي هو إيران، والقرار بيدها». ومع تأكيده أنه لا خوف من مقايضة على رئاسة الجمهورية، والدليل أن «حزب الله» لم يستطع إيصال مرشحه منذ بدء الفراغ الرئاسي في لبنان، يرى بو عاصي أن الحل ليس قريباً، والانتخابات الرئاسية لن تحصل قبل اتضاح الصورة إقليمياً.
وهذا الوضع يتحدث عنه أيضاً الوزير السابق رشيد درباس الذي يختصر كلام مسؤولي «حزب الله» بالقول: «السياسة تقاس بالأداء، وليس بالتصريح»، وبالتالي يرى أن «كل ما يقوله مسؤولو الحزب غير قابل للصرف، في ظل الأوضاع المتوترة بالإقليم». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «وقت التسوية لم يحن بعد، وبالتالي كلام (حزب الله) لن يُصرف في أي مكان، وهو ليس إلا محاولة لتبرئة نفسه من الاتهامات»، مشيراً إلى «مأزق سياسي ولوجيستي يعاني منه (حزب الله) اليوم في حربه ضد إسرائيل، وهو غياب الحلفاء داخلياً، من خارج الثنائية الشيعية، وهو ما يختلف عن عام 2006، حيث كان هناك احتضان شعبي له ولأهل الجنوب، إضافة إلى الصداقات العربية الواسعة، والمأزق اللوجيستي يظهر واضحاً، من خلال الضغوط التي يتعرض لها عسكرياً، والخسائر التي يتكبدها».
من هنا، يرى درباس أن الترقب سيكون سيد الموقف في هذه المرحلة، في ظل الوضع المتوتر إقليمياً، حيث تتفاوض إيران وأميركا بأشرس أنواع التفاوض، وهو ما سيؤدي؛ إما إلى التسوية أو التصعيد. ومع تأكيده أن وقت التسوية، وبالتالي الانتخابات الرئاسية، لم يحن بعد، يقول: «لكن إذا وافق الآخرون على مرشح (حزب الله)، سليمان فرنجية، فعندها فقط نذهب إلى الانتخابات»، مشيراً في الوقت عينه إلى أن المشكلة أن الظروف، مع مرور الوقت، قد تتجه لصالح الثنائي الشيعي («حزب الله» و«حركة أمل»).
ويكثف «حزب الله» في اليومين الأخيرين الرسائل السياسية. وبعدما كان قد أكد أن التفاوض في ملف الحدود البريّة هو حصراً في يد الدولة اللبنانيّة، في رد منه على المعلومات التي تشير إلى مصادرته قرارها، عاد نائب أمين عام «حزب الله»، نعيم قاسم، وقال إنه «لا ربط ولا مقايضة للاستحقاقات السياسية؛ سواء أكانت رئاسة الجمهورية أم غيرها بما يجري في الجنوب»، مضيفاً: «إذا اتفق اللبنانيون على رئيس، فنحن ذاهبون للمشاركة والانتخاب». والموقف نفسه عاد وتحدث عنه القيادي في الحزب، الوزير السابق محمد فنيش، قائلاً: «البعض في لبنان يروّج ويلفّق تحليلات واستنتاجات ومعلومات عن أن هناك تفاوضاً ومساومة ومسعًى لمقايضة على ملفات داخلية، لأجل إيقاف المقاومة عن الاستمرار في تأدية واجبها بملاحقة العدو، ولكن كل ما ذُكر زيف ولا أساس له من الصحة»، مشدداً على أن «المقاومة في لبنان ليست جزءاً من الألاعيب السياسية الداخلية، ولا نقبل مساومة ولا إغراء».
لكن في المقابل، وفي رد على سؤال حول إمكانية تراجع الحزب عن ترشيحه فرنجية، يقول المحلل السياسي قاسم قصير (المقرب من «حزب الله») إن كلام الحزب عن التوافق الوطني يعني أنه سيلتزم بنتائج الحوار اللبناني، وهو جاهز له»، داعياً إلى انتظار نتائج حراك اللجنة الخماسية.
وقال رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، في بيان له: «معلوم أنّ قنوات الحوار مفتوحة وعاملة بين الكتل النيابيّة كلّها، وقد حصل تبادل أسماء منذ ما قبل سريان المهلة الدستوريّة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، ولكن كلّ هذه المحاولات اصطدمت بتبني محور الممانعة ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وإصراره على هذا الترشيح، رغم عدم قدرته على انتخابه، واستخدامه التعطيل وسيلةً لاستمرار الشغور، وما زال هذا الفريق متوقفاً تحديداً عند هذه النقطة»، مضيفاً: «من هذا المنطلق، فإن الدعوة إلى الحوار كناية عن دعوة لتبني ترشيح الوزير فرنجية، بينما الحلّ الوحيد لملء سدّة الرئاسة يكمن في دعوة الرئيس بري، في أسرع وقت ممكن، إلى جلسة انتخابات رئاسيّة بدورات متتالية، وليتمسّك بعدها محور الممانعة بمرشحه قدر ما يريد، ولتقم بقيّة الكتل النيابيّة بترشيح مَن تريد. ومَن يربح من خلال هذه الطريقة، فسنهنئه جميعاً وسنتعاطى معه على أنّه رئيس الجمهورية الجديد».