دخل الفراغ الرئاسي شهره الـ17. ولم يستطع مجلس النواب تطبيق الآليات الدستورية واحترام اللعبة الديموقراطية وظلّ فريق معيّن من النواب يُصرّ على التعطيل. وفي ظلّ عدم نضوج التوافقات الداخلية والخارجية، لا يزال رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية يُصرّ على أنّ حظوظه الرئاسية مرتفعة، وكأنه المرشح شبه الوحيد لهذه المرحلة.
حطّ نواب تكتل «الإعتدال الوطني» أمس في مقرّ كتلة «الوفاء للمقاومة» في حارة حريك فاستقبلهم النائب محمد رعد والنائب أمين شرّي. وحسب معلومات «نداء الوطن» جرى حوار صريح بين النواب، وشدّد رعد وشرّي على أهمية الحوار والمبادرة وفتح قنوات التواصل بين اللبنانيين.
وبعد نقاش بنود مبادرة «الإعتدال»، طلب «حزب الله» مزيداً من الوقت للتعمّق فيها ودرسها، وأبدى ملاحظته الأساسية على بند الذهاب إلى دورات متتالية لانتخاب رئيس بعد تأمين النصاب. فحسب «الحزب» البلاد لا تحتمل معارك كسر عظم، وهي محكومة بالديموقراطية التوافقية، ومن غير المحبّذ اعتماد سياسة الكسر، لذلك دعا إلى بذل الجهد للإتفاق على اسم واحد لانتخابه لا الذهاب إلى مرشحين أو أكثر وإجراء معركة. فتأمين النصاب يأتي بعد الإتفاق على مرشح.
لم يضع رعد وشرّي «الإعتدال» أمام معادلة فرنجية أو لا أحد، ولم يؤيدا الحوار على قاعدة إذهبوا واتفقوا على فرنجية فحسب، بل أكّدا أن فرنجية مرشح فريقهم ومن حقهم دعم أي مرشّح.
إذاً، لم يمنح «حزب الله» نواب «الإعتدال» الجواب النهائي، بل سيناقش الأفكار المطروحة بعمق كما وعد. ويظهر بوضوح تخوّف «الحزب» من قدرة «القوات اللبنانية» والحلفاء على إيصال مرشحهم في حال الذهاب إلى دورات مفتوحة بعد تأمين النصاب، من هنا كان الخيار الراجح لـ»حزب الله» بالإتفاق على رئيس، خصوصاً في ظلّ عدم وجود «التيار الوطني الحرّ» إلى جانبهم.
وفي السياق، فتح «حزب الله» ثغرة بعدم التمسّك بفرنجية وحيداً، لكنه لم يؤيد إلى حدّ ما طرح «الإعتدال» بعدم فرط النصاب والذهاب إلى جلسة بمرشحَين أو أكثر، ما يعني ضرب جوهر المبادرة. ويرغب «حزب الله» في الوصول إلى حلّ رئاسي، لكنه مُحرج أمام فرنجية الذي لم يعلن ترشّحه من بنشعي أو إهدن أو بكركي، بل أعلن الرئيس نبيه برّي في حوار صحافي ترشيحه فرنجية، ومن ثمّ تبنّى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله هذا الترشيح، ما تسبّب باستياء الشارع المسيحي ورفضه. وكان يمكن لردّ الفعل المسيحي أن يكون أخف وطأة لو أُقنع رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل بهذا الترشيح أو أقلّه عدم التصدّي له بشراسة.
سقط رهان فرنجية على قدرة «حزب الله» على إقناع باسيل بتبنّي ترشيحه. وعاد فرنجية بعد مبادرة «الإعتدال الوطني» للتمسّك أكثر بترشيحه. والغريب هو اقتناعه بقدرته على الوصول إلى قصر بعبدا. وبحسب من يلتقي فرنجية، فالرجل يراهن على عدّة أمور، أبرزها قدرة «حماس» على الصمود وانتصار محور «الممانعة» وتغيّر الظروف السياسية، كما حصل بعد حرب «تموز».
أما الأمر الثاني الذي يراهن عليه فرنجية فهو قدرة «حزب الله» على فرض رئيس كما فعل عام 2016، وإمكانية منح المجتمع الدولي «الحزب» رئاسة الجمهورية كجائزة ترضية نتيجة تسوية الجنوب.
ولا يزال فرنجية يتأمّل بإمكانية إحياء التسوية الفرنسية القديمة نتيجة الوضع الحدودي ومسارعة واشنطن إلى وضع التسوية الحدودية كأولوية، وبالتالي يستطيع «حزب الله» نتيجة هذه الرغبة الأميركية تحقيق المزيد من المكاسب السياسية في الداخل.
يعمل عدد من الوسطاء الداخليين والخارجيين على معالجة الأزمة الرئاسية، لذلك هناك تقاطع على صعوبة وصول فرنجية، وكل ما يحصل هو دعم «حزب الله» وحركة «أمل» لفرنجية لتحسين شروط التفاوض الرئاسي، بينما الحقيقة هي اقتناع «الثنائي الشيعي» بصعوبة وصول فرنجية.
وتتمسّك اللجنة الخُماسية بالخيار الثالث. وأبلغت الرياض النواب السنّة الذين يدورون في فلكها والحلفاء، موقفها الرافض لفرنجية أو لأي مرشح يدور في فلك «حزب الله»، ولم تنجح كل محاولات رئيس «تيار المردة» في فتح أبواب الرياض أمامه.
ويبقى موقف «القوات اللبنانية» والحلفاء و»التيار الوطني الحرّ» الرافض خيار فرنجية، وهذا ما يؤكّد عليه باسيل، في حين إنتهى لقاء كليمنصو بين فرنجية والنائب السابق وليد جنبلاط من دون مفاعيل سياسية، وبالتالي إذا لم يكن هناك إجماع عربي ودولي، وداخلي مسيحي وسنّي ودرزي، فكيف سيصل فرنجية إلى بعبدا؟