دخل المجتمع الدولي بقوة على المسار اللبناني وأزماته واستحقاقاته الداهمة، وفي طليعتها الإنتخابات الرئاسية، وهذا المشهد ظهر بوضوح على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن خلال اللقاءات اللافتة للرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، إضافة إلى البيان الثلاثي السعودي ـ الأميركي ـ الفرنسي الذي صدر، وكان شاملاً حول الوضع اللبناني الداخلي، ما أثار تساؤلات حول إمكانية اتجاه الأزمة المحلية إلى التدويل، وبمعنى آخر هل دخلت العواصم المعنية بالوضع اللبناني على خط حلّها، لا سيما الإستحقاق الرئاسي الذي لطالما كان موضع اهتمام دولي عبر التسويات والتفاهمات الدولية والإقليمية؟
وفي السياق، تكشف مصادر سياسية متابعة، عن معلومات تصبّ في خانة الحديث عن معالم تسوية بانت معالمها من خلال البيان الثلاثي الذي صدر من نيويورك، الذي كان بمثابة المدخل لولوج التسوية الشاملة ويبقى رهن الإتصالات الجارية في الوقت الراهن، والتي تؤكدها مصادر مواكبة في بيروت، لكنها بانتظار تبلور بعض المحطات، إن على صعيد إنهاء مسألة الوضع الحكومي، أو ما سيؤول إليه الوضع في المنطقة من فيينا إلى الإستحقاق الإنتخابي في “إسرائيل”.
وتشير المصادر إلى أن ما جرى في نيويورك من لقاءات ومواقف يمكن وصفها بالإستثنائي لناحية الإصرار على إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري المحدّد، ومن ثم تحديد مواصفات متطابقة بين ناشري البيان والبعض في لبنان، ما يطرح تساؤلات عما إذا كان هناك من أجواء تشير إلى تمرير التسوية الرئاسية بهدوء، أو أنها ستأتي “على الحامي”، حيث يرى البعض أن الأزمات المتراكمة إجتماعياً، وما جرى على خط المصارف وأمور كثيرة قد يؤدي إلى فوضى في الشارع، وعندها قد يُصار إلى الإسراع في التسوية عبر نسخة متطابقة لما حصل في “الدوحة”.
وفي هذا السياق، عُلم أيضاً أن اجتماعاً قد يحصل في باريس بين الدول المعنية بالملف اللبناني في وقت غير بعيد، ويكون بمثابة مقدّمة للدخول في مرحلة حسم الخيارات تجاه لبنان، والتوافق على رئيس للجمهورية بعد ما يسبق ذلك حركة موفدين باتجاه لبنان من أجل وضعهم في صورة هذه التسوية التي سيعقبها مؤتمر للدول المانحة، وبات جلياً وفق الشروط التي وردت في البيان الثلاثي.
وبالتالي، تقول المصادر نفسها انه مع عودة رئيس الحكومة المكلّف إلى بيروت، يُنتظر أن تعود الحركة السياسية على الصعيد الحكومي وسواه، ولكن ثمة أجواء برزت في الساعات الماضية تنبئ بفوضى وتظاهرات واعتصامات، إذ هناك لقاءات مفتوحة تعقد في معظم المناطق لـ”التيار الوطني الحر”، بعدما رُفعت التوصية من قيادة “التيار” خلال الخلوة التي عقدت في الأيام الماضية وبقيت بعيداً عن الإعلام، واتُّخذت خلالها مقرّرات عُمّمت على الكوادر “البرتقالية” ومسؤولي المناطق، ما يؤشّر إلى أن هناك توجّهاً لرفض ما سيفضي به ميقاتي عبر المخرج لإنهاء الوضع الحكومي، وهذا يؤكد ما قاله رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بالأمس، بما معناه أنه لا يقبل بوساطة أي طرف أياً كان ما لم يكن مقتنعاً به هو، الأمر الذي يصبّ في إطار توجّه البلد نحو مرحلة اللاإستقرار، ولهذه الغاية لن يلجم هذه الفوضى أو التصعيد السياسي ورفع سقف الشروط إلا التسوية الدولية، على اعتبار أن التصلّب بالمواقف الرئاسية وسواها، كما الحال مع باسيل، من شأنه أن يُقحم البلد في صراعات مفتوحة وتعود الأمور إلى حقبة ما بعد العام 2005 من ارتفاع منسوب الإنقسام السياسي وإعادة تحريك الشارع والشارع المضاد، إلى الفراغ الحكومي والرئاسي وصعوبات في التكليف والتأليف.