استحوذ حراك سفراء المجموعة الخماسية لدى لبنان باتجاه المسؤولين والقيادات السياسية، اليوم، والذي استهل بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، على اهتمام داخلي لافت، في إطار المساعي المبذولة من أجل تقريب وجهات النظر بشأن الانتخابات الرئاسية، بما يساعد على إنجاز هذا الاستحقاق في أسرع وقت. وهو تحرك الهدف منه وفق مصادر السفراء، العمل على تهيئة المناخات التي تساعد على إيجاد توافق حول شخصية الرئيس العتيد، انطلاقاً من المواصفات التي سبق وتم وضعها، على أساس أن المرشح التوافقي بات الأكثر ترجيحاً، وهذا ما باتت جميع الأطراف اللبنانية على قناعة به . وإذ ترى المصادر ضرورة فصل المسار اللبناني عن أزمات المنطقة، فإنها تعتبر أنه بات من الملح طي صفحة الشغور الرئاسي، بالنظر إلى تداعياته السلبية على الأوضاع الداخلية التي ما عادت قادرة على استمرار لبنان دون رئيس للجمهورية .
وإذ عبرت المصادر عن ارتياحها لأجواء اللقاء الذي جمع السفراء بالرئيس بري الذي أكد ضرورة حصول التوافق على انتخاب الرئيس في أسرع وقت، فإنها توقعت أن تسحب هذه الأجواء نفسها على اللقاءات التي سيعقدها السفراء مع القيادات السياسية والروحية في الأيام القليلة المقبلة، مشيرة إلى أنه باتت هناك قناعة لدى هذه القيادات، بأن انتخاب رئيس للجمهورية، يشكل نقطة تقاطع لدى جميع الأطراف، على أن يصار إلى بلورة هذا التوجه في المرحلة المقبلة، في ضوء النتائج التي سيخلص إليها حراك السفراء، في وقت علم أن دعوات من جانب الحكومة القطرية، وجهت لعدد من المسؤولين، للبحث في الملف الرئاسي . حيث من المتوقع أن تكون الدوحة بصدد توجيه دعوتين لرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” السابق النائب وليد جنبلاط، إضافة إلى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، بعد الدعوة التي قام بتلبيتها المعاون السياسي للرئيس بري، النائب علي حسن خليل .
لكن رغم الإيجابية التي تظلل حركة المساعي الدبلوماسية لسفراء “الخماسية”، في الجهود التي يقومون بها، بعد مبادرة كتلة “الاعتدال الوطني”، التي أعطت دفعاً قوياً للملف الرئاسي، بانتظار أجوبة بعض الأطراف السياسية على مضمونها، فإن معيار التوصل إلى تسوية بخصوص الملف الرئاسي، برأي أوساط نيابية معارضة، مشروط بمدى تقبل “الثنائي الشيعي” لفكرة “الخيار الثالث”، واستعداده تالياً، للتنازل عن مرشحه سليمان فرنجية، حيث أنه وطالما لم يتنازل هذا الثنائي عن فرنجية، فإن لا تقدم، وسيبقى الوضع على حاله من المراوحة . سيما وأن فرنجية عاد وقدم أوراق ترشحه للرئاسة الأولى، في حديثه لوفد نقابة المحررين . وهذا ما يؤكد أن “الثنائي” ما زال متمسكاً بحليفه رئيس “المردة” . أي أن الصعوبات ما زالت تحول دون إقناع هذا الفريق برئيس تسوية، بعد استبعاد مرشحي الموالاة والمعارضة .
وسط هذه الأجواء، يمكن القول أن دعوة النائب باسيل، بكركي لرعاية حوار بين المسيحيين، قد وأدت في مهدها، بعد المواقف التي صدرت من جانب عدد من المكونات المسيحية التي رفضت هذه الدعوة، في وقت لا توحي المعطيات بأن البطريركية المارونية، ستستجيب هي الأخرى لطلب باسيل . وقد أكدت أوساط مسيحية معارضة أن “بكركي ليست في وارد الاستجابة لدعوة باسيل، باعتبار أن الأخير يدعو للحوار كلما وجد نفسه معزولاً من جميع الأطراف”، مشددة على أن ” القوى المسيحية الأخرى لن تلبي دعوة باسيل، لأنها لا تثق به، باعتبار أن التجارب الحوارية التي كان باسيل طرفاً فيها، لم تسفر عن أي نتيجة إيجابية لمصلحة البلد. لا بل أن كل التفاهمات التي جرى التوصل إليها، عاد وانقلب عليها “الوطني الحر”، على حساب مصلحة البلد وسيادته . وأبرز دليل على ذلك “اتفاق معراب” وما نتج عنه من انعكاسات صبت في غير المصلحة المسيحية .
إلى ذلك، وفي الوقت الذي تتكثف الجهود الخارجية، للتخفيف من حدة التوتر في الجنوب، والحؤول دون قيام إسرائيل بمهاجمة لبنان، فإن الاجتماع الذي كشف عن عقده في الضاحية الجنوبية لبيروت، بين ممثلين عن حركة “حماس” وجماعة “الحوثي” برعاية “حزب الله”، إلى أطراف أخرى من الفصائل التي تدور في الفلك الإيراني، في إطار التنسيق ووضع خطط لمواجهة إسرائيل في المرحلة المقبلة، أثار الكثير من القلق برأي المراقبين، بكونه يؤكد مرة جديدة أن لبنان يستخدم كساحة مواجهة مع إسرائيل، من خلال التواصل والتنسيق مع الفصائل الفلسطينية واليمنية الموالية لإيران.
وتكمن خطورة ما تم الإعلان عنه، وهو ليس بجديد، بعد زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى بيروت، واجتماعه مع قيادات في “حزب الله”، برأي القوى المعارضة، أنه “يزيد في انكشاف لبنان أمام الإسرائيليين، ما قد يعرضه لمخاطر ، لا يمكن التكهن بنتائجها، لأن ذلك سيمنح إسرائيل المزيد من المبررات، للاعتداء عليه،، دون الأخذ بعين الاعتبار للمطالبات العربية والدولية، بعدم استهداف لبنان”. وتشير المعارضة، إلى أن “إيران التي لا تريد مواجهة إسرائيل، مصرة على إبقاء لبنان كما اعتادت، ساحة لتصفية حساباتها مع الأميركيين والإسرائيليين . وهذا بالتأكيد سيزيد من حجم المخاطر، ولا يساهم في تأمين مظلة أمان لحماية البلد من المخططات الإسرائيلية العدوانية” .