IMLebanon

إعادة تشكيل السلطة: البداية من الرئيس

 

يبدو كأن التحلل والترهل الذي يصيب معظم إدارات الدولة وقطاعاتها لا يسري على المجالات التي تجني الخزينة من خلالها أموالاً طائلة، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول المسارات المستقبليّة للبلاد في ظل المراوحة السياسيّة القاتلة التي تتمثل باستدامة الفراغ الرئاسي لما يزيد عن سنة ونصف السنة من دون توفر أي أفق للخروج من المعضلة باستثناء البيانات الموسميّة للجنة الخماسيّة (مشكورة في جميع الأحوال) والجولات «الاستطلاعيّة» للموفدين الخارجيين رغم أنه ليس هناك ما يتطلب إستطلاعه لأن المواقف معروفة تماماً من الداخل والخارج.

 

تكترث الدولة عمليّاً للقطاعات التي تدر عليها المداخيل الماليّة (مثلاً الجمارك والسيارات المستعملة والمستوردة)، فصارت أكلاف التسجيل ورسوم الجمارك مضاعفة عشرات المرات، وكأنه يحق للمحظيين فقط اقتناء السيارات في الوقت الذي لم تنجح الدولة في إطلاق وتطبيق خطة للنقل العام (أتذكرون الحافلات الفرنسيّة) بسبب المناكفات والمحاصصة ونفوذ بعض الأقوياء من السياسيين الذين يوفرون الحماية والغطاء للقطاع الخاص.

 

وبالمناسبة، حتى تلك القطاعات التي تدر الأرباح لا تُدار بالشكل المطلوب لا بل يعاني المواطنون فيها من الإذلال بسبب الازدحام الشديد وتراكم المعاملات المؤجلة، وكأنه لا يحق للمواطن اللبناني أن ينعم بالحد الأدنى من الكرامة الإنسانيّة أقله في مجال المعاملات الرسميّة في الوقت الذي أطلقت فيه الدول المتحضرة تطبيقات هاتفيّة حديثة لإنجاز المعاملات ودفع الرسوم الماليّة دون الحاجة للتوجه إلى الإدارات الحكوميّة.

 

المهم اليوم ألا تقتصر مقاربة الحكومة على التعامل مع قضايا المواطنين من زاوية تحصيل الأموال وسحبها من جيوبهم وكأنه لا يكفيهم ما خسروه من ودائع مصرفيّة لا يزال مصيرها مجهولاً في ظل غياب رؤية شاملة للتعامل مع هذا الملف «الوطني» الذي يمس مختلف شرائح المجتمع اللبناني والذي أدّى عمليّاً لأن تصبح العديد من الأسر اللبنانيّة «منكوبة» بكل ما للكلمة من معنى خصوصاً ذوي الدخل المحدود الذين ادخروا في المصارف مبالغ صغيرة ومتواضعة وإذ بها تبخرّت قيمتها الماليّة.

 

صحيحٌ أنّ العذر الجاهز دوماً هو أنّ الحكومة غير مكتملة الصلاحيات وأنها حكومة تصريف أعمال (وهي كذلك بسبب النكد السياسي بالمناسبة)، ولكن بات واضحاً أنها قادرة على اتخاذ قرارات بما يتناسب مع المصلحة الوطنيّة طالما أنّ الشغور الرئاسي أصبح مستداماً على ما يبدو وطالما أنّ توسيع مفهوم تصريف الأعمال لم يصل إلى مستويات غير مقبولة بما يضرب الدستور والأصول والأعراف المتبعة في حالات سياسيّة كهذه.

 

بطبيعة الحال، الحل المثالي هو الذهاب نحو انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة في أسرع وقت ممكن للخروج من دوامة الفراغ والشغور الذي بات يعرّض البلاد للمزيد من الانكشاف السياسي والأمني الخطير خصوصاً على ضوء تنامي مخاطر التهديدات الإسرائيليّة والربط «الحتمي» بين جبهتي الجنوب وغزة، وعلى ضوء أيضاً التحديات الكبيرة التي بات يفرضها ملف النزوح السوري لا سيما مع النتائج المخيبة للآمال لمؤتمر بروكسل (ولو أن توقع غيرها كان بمثابة ضرب من الخيال!).

 

الدولة مدعوة لأن تحزم أمرها وتعالج الأمور الحياتيّة الملحة التي لم تعد تحتمل التأجيل، ولكن السؤال: أي دولة؟ لا مفر من إعادة تشكيل السلطات بدءاً بانتخاب رئيس موثوق إلى كرسي الرئاسة الأولى ومن ثم تشكيل حكومة تحظى أيضاً بالثقة من قبل المجتمع الداخلي والخارجي. هي خطوات ضرورية وليس رفاهيّة!