في إنتخاب رئيس الجمهورية، يجب العودة إلى الدستور وإلى القانون وإلى الأعراف، وكذلك إلى التقاليد المتبعة في الإنتخابات، تلك التي كان يشهدها لبنان، كلما إنتهت مدة ولاية رئيس الجمهورية، المحكومة سلفا بسقف الست سنوات.
يقول العارفون والمواكبون للانتخابات التي كانت تجري، لتصعيد رئيس للجمهورية: إن على مجلس النواب أن يكون على جهوزية تامة لإنتخاب رئيس، إبتداء من العشرة أيام المتبقية من مدة الولاية، بحيث يوجّه رئيس مجلس النواب، الدعوة للإنتخاب، ويصير جميع النواب مقيّدين بهذه الدعوة، فلا ينشغل المجلس بأي شأن آخر، لئلا تقع البلاد في الفراغ الدستوري.
ويقول أيضا وأيضا، العارفون والمتابعون والمواكبون لإنتخاب رؤساء الجمهورية: إنه بالرغم من وضوح الدستور في تفنيد المسائل المتعلقة بالانتخابات. وبالرغم من تفصيل القانون للطريقة التي تتبع، حتى إنجاز الانتخابات، فإن هناك بعض النقاط العالقة، التي تشكّل المهرب للنواب، بحيث لا يقدمون على ما يحضهم عليه الدستور، ولا ينفذون القوانين المرعية الإجراء في هذا الشأن.
أهم هذه النقاط العالقة على الإطلاق، والتي تحتاج إلى مراجعة، وإلى معالجة، هو أن النواب يستطيعون أن يتهرّبوا من الحضور في قاعة المجلس، فيطير نصاب الثلثين القانوني، بحيث لا تتم عملية الإنتخاب بدونه. ويبدأ الحديث بعد ذلك عن النقطة الثانية العالقة، والتي تتمثل في المرشح الأوحد الذي يستدعي الإنقسام، ويستدعي أيضا، تتطيّر النصاب.
غير أن العراك حول المرشح الأوحد، سرعان ما يأخذ في التداعي، فيصير إلى الإنقسام العامودي، بين أهل المجلس، حول هوية المرشح الأوحد: الوطني وغيره. ثم يستند المؤيدون والمعارضون، إلى قاموس عريض، في تفسير الهويات المتقاتلة. ويدخل البلد كله في الإشتباك الطائفي والمذهبي والتابع والمستتبع، حتى الوصول إلى درجة التخوين. وهذه الدرجة ليست بالمطلق هي أعلى الدرجات، لأن الأشد منها هو حرمان البلاد من إنتخاب رئيس للبلاد.
من النقاط العالقة، هو البحث الدائم، عن الجهة المرشحة للرئيس. فالصراع على كرسي الرئاسة، يستدعي الوقوف على خاطر المحاور التي أعطي لها الكلمة الأولى في ترشيح الرئيس، ولهذا نجد أن كلمة السر قد تتأخّر قليلا أو كثيرا، حتى تصل إلى أهل المجلس، بعد إتفاق المحاور والدول الوازنة، على إسم الرئيس.
ومن النقاط العالقة، في مواسم الإنتخاب الرئاسي، هو إنتظار موازين القوى. فالنظر فيها مهم للغاية، في ترجيح هذة الكفّة أو تلك. ولهذا تنتظر معركة إنتخاب الرئيس، جلاء المعارك في العالم، تنتظر من يربح من الدول، ومن يخسر، وهذا ما يعوق حصول الانتخابات.
ليست المعارك الداخلية وسخونتها، في الموسم الانتخابي، إلّا نوعا من الدلع السياسي، ومن النقاط العالقة. ولهذا نرى اشتدادها وسخونتها، من ديباجة الانتخابات، فتكثر الدعوات إلى الحوار، وإلى تلاقي الإرادات، وإلى الإتفاق مسبقا على مرشح توافقي، لأن مسألة الإتفاق على رئيس، هو الباب الرئيسي، لإنتخاب الرئيس.
كثيرة هي النقاط العالقة في هذا الموسم، لإنتخاب رئيس. وأبرز هذه النقاط، هي إنتظار جلاء الحسم في غزة وفي الجنوب اللبناني، بمعنى آخر جلاء الموقف الإسرائيلي المكتوم، من الإستحقاق الرئاسي. وهذا الأمر شديد الحساسية، وهو ينتظر الإرادة الدولية في تنفيذ الإستحقاق أو تأجيله. ويبدو أن هذه النقطة هي أقسى النقاط العالقة، وهي تجعل المعركة الرئاسية، شديدة الشبه بمعركة إنتخاب الرئيس الراحل الشيخ بشير الجميل، تلك المعركة التي إمتدت ذيولها، حتى إنتهائها بمأساة الرئاسة، ولم يتحقق الإجماع على الشيخ أمين الجميل، إلّا على جسر من الدماء.
الدستور والقانون، لمما يمهّد لإنتخاب الرئيس، ومن هناك يخلق الله ما لا تعلمون من النقاط العالقة، التي تذلل إنتخاب الرئيس. ولهذا، كانت العادات والتقاليد أكثر ليونة، لأنها تراعي الخواطر الجافة في مواسم الإنتخاب. فاللبنانيون يمتلكون من الشطارة في الموسم، ما يجعلهم يقبلون بتأجيل الإنتخاب لسنوات، حتى تذلل جميع النقاط قرونها وتدعو أهل المجلس للإنصياع.
تذليل النقاط العالقة، هو المشروع المحلي والخارجي، لتحقيق الإستحقاق الرئاسي، وهو أهم بكثير من الدستور والقوانين، حيث هناك يكون «حك الركاب» في السباق الرئاسي. ولهذا ننصح منذ اليوم بالأخذ بعين الاعتبار تلك النقاط العالقة، فهي التي تقدّم أو تؤخّر الإستحقاق الرئاسي. فلا زالت الجمال باركة إلى الآن، حتى يأتي من يحصحصها، ويجفلها إلى لعب دورها في إنتخاب فخامة رئيس البلاد!
* أستاذ في الجامعة اللبنانية