IMLebanon

أوقفوا الزجل.. هيا إلى العمل

 

منذ الفراغ الرئاسي وحفلات الزجل والتراشق الكلامي والإعلامي لم تهدأ ولم تتوقف، بل إننا وبعد مرور حوالي سنة وثمانية أشهر على 31 أكتوبر 2022 تاريخ انتهاء ولاية الرئيس عون، لم تزل هذه الحملات على أشدّها وقد زاد من وطيسها وضراوتها حرب طوفان الأقصى ودخول حزب الله طرفاً فيها في 8 أكتوبر2023 أي بعد يوم واحد من اندلاعها. هذا ومع أن كل الوسائل الإعلامية والمفردات اللغوية قد تم استعمالها إلّا أن الجميع ما زال يصرّ على نفس اللغة ونفس الأسلوب لنصل جميعاً إلى فراغ ثم فراغ ثم فراغ. فالجميع لم يتعظ بعد ولم يدرك أن البلد يمرّ في حالة انحلال سريري، فالمؤسسات أو ما تبقّى منها يتآكلها الصدأ وهي وبالرغم من طيلة أيام الشغور فإنها لم تزل عاجزة على التأقلم مع الواقع الدستوري «اللا دستوري» للبلد. فالأزمات تتوالى بحكم غياب رأس لدولة ويتم التنازع بين مختلف السلطات وكأن لا سلطة ولا دستور، ومن الطبيعي أن يتم ذلك في ظل غياب النص لإدارة مرحلة الشغور، ولا سيما أن الحكومة التي كان من المفروض فيها تولي سلطات الرئيس، فإن هذه الحكومة لم تنل ثقة المجلس وبالتالي فهي سلطة بتراء غير قانونية وغير دستورية، وبالرغم من كل ذلك فهي حكومة أمر واقع تجتمع «غب الطلب» وبمن حضر لتأخذ قرارات «على الواقف» تتناسب مع مصالح بعض الأفرقاء بحجة المصلحة العامة وتسيير المرفق العام. وفي هذا الإطار تنشأ الأزمات المتلاحقة إن بين قائد الجيش من جهة الذي يعتبر نفسه رئيساً للمؤسسة العسكرية وذلك بغياب القائد الأعلى للقوى المسلحة فخامة رئيس البلاد وبين وزير الدفاع من جهة ثانية، الذي يعتبر نفسه السلطة السياسية التي تتولى سلطة الوصاية على المؤسسة وذلك بموجب دستور الطائف. وكذلك الأمر مع رئيس الحكومة الذي يعتبر نفسه المرجع الأعلى للسلطة التنفيذية وذلك بغياب رئيس هذه السلطة أي فخامة الرئيس. أما رئيس المجلس النيابي ومع كونه رئيس سلطة شرعية منتخبة، فإنه يحاول لعب الدور المنوط برئيس البلاد لجهة جمع الأطراف المتخاصمين وترؤسهم، وذلك بحجة أنه وبغياب الرئيس يتوجب عليه لعب هذا الدوار وذلك من باب ضرورة وجود مرجعية شرعية.

لا ترياق من العراق ولا حل من الخارج

في ظل التأزّم الحاصل في داخل دول القرار التي تبدو متخبطة في أزماتها وانشغالاتها، فبريطانيا شهدت متغيّرات سياسية جذرية وذلك بعد انتصار حزب العمال في الانتخابات وذهاب رئيس الحكومة ريشي سوناك إلى منزله، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منشغل بلملمة الخسارة التي مُني بها في الانتخابات الأوروبية والداخلية، وهو يتلمّس الطرق لتشكيل حكومة أمر واقع ليست معه بالمطلق ولكي لا تكون ضده في الواقع، وبالتالي فإن انشغالات الأم الحنون أكثر تعقيداً مما يعتقده البعض عندنا. أما في الولايات المتحدة فالمصيبة أعظم إذ وبعد محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري والذي «فرقت على صوص ونقطة» كما يقال في الدارج، تبدو الديمقراطية الأميركية بحاجة إلى أكثر من إعادة نظر، حتى إن البعض في أميركا والعالم بات يشبّه محاولة اغتيال ترامب لاغتيال كينيدي في 22 نوفمبر من العام 1963، وأنه يوجد أو تم ابتداع لي هارفي أوزوالد جديد، الذي تمّت تصفيته بسرعة البرق. بالرغم من كل ذلك لم يزل بعض من في الداخل يراهن عبثاً على الخارج وأن الحلول ستأتي من خارج الحدود وهي إن لم تأتي من غزة فهي ستأتي من الغرب.

المسؤولية علينا أولاً

من هنا يتضح جليّاً أن محاولة تطييف الانتخابات الرئاسية ووضعها في خانة الاستحالة في ظل الأجواء الخارجية الملبّدة، هي ليست سوى محاولة لتبرير عجز البعض عن ابتداع الحلول، فاللبناني مشهور بصياغة الحلول وإيجاد المخارج وإن البعض لو أراد لاستطاع تمرير الاستحقاق الرئاسي بمعزل عن الاستحقاقات الخارجية. من هنا فالمطلوب هو التخفيف من العظات والمواعظ والخطب التي تشبه إلى حد بعيد حفلات الزجل، وبفارق واحد أن حفلات الزجل تتسم بالفن الخلّاق، في حين تتسم بعض الخطب والمواعظ «بالقوالين» الذين يرددون ما تم تلقينهم إياه إن من السفارات أم من المراجع المختلفة. فهلمّوا يا سادة إلى العمل وتفضّلوا بجمع الناس والسياسيين بدلاً من تفرقتهم وذلك كي نصل إلى انتخاب رئيس يكون الحاكم والحَكَم.

* كاتب سياسي