IMLebanon

رئيس محور الفراغ

 

 

دخل لبنان عملياً في مرحلة اختيار رئيس للجمهورية للولاية المقبلة التي اتفق المحلّلون والمتابعون على مصيريتها التاريخية بالنسبة لوجود وطن الأرز بهويته الأصيلة، وبطبيعة الحال تكثّفت الإتصالات بين كافة الأفرقاء السياسيين حيث بادر البعض الى طرح الأفكار والمواصفات واستعراض الأسماء المرشّحة. وبما أن المرحلة تاريخية فالرئيس المقبل سيمثّل امّا مشروع استعادة وطن أو مشروع إلغاء وطن، وستكون لولايته امتدادات ذات صفة وجودية ليس لستّ سنوات فقط بل لعقود وربما للأبد. ولأن بعض الأطراف اللبنانية مرتبطة عضوياً بالمشاريع الإقليمية فقد شرّعت الوطن للتدخلات الخارجية العقائدية والايديولوجية والمذهبية، وأصبح من البديهي ان تندلع صراعات عميقة ووجودية لا حلول ولا نهاية لها إلا بالحسم الإلغائي او التوازن المرحلي. هذا الواقع سيفرض على الرئيس العتيد دوراً اساسياً في تحديد وجه المعركة وساحاتها.

 

ومن «اسمائهم تعرفونهم» ومن افكارهم وآرائهم تستكشفون ساحات معاركهم، فخوض المعركة الرئاسية المقبلة لن يكون تقليدياً ولا عادياً، بل سيحمل في طياته وتفاصيل تفاهماته ثلاثة مشاريع رئيسية، إمّا إبقاء لبنان رهينة الممانعة حتى القضاء عليه كوطن وكهوية، وإمّا استمرار الستاتيكو الانهياري حتى انحلال الدولة، وامّا انتقال لبنان الى الضفة المقابلة، الإنقاذية، وتحقيق التوازن مع أدوات محور الممانعة.

 

ومن «ترشيحاتهم تعرفونهم» فالفريقان السياسيان الأكثر وضوحاً في خوض المقاربات الرئاسية، هما «حزب الله» الذي وضعَ امامه احتمالين ضامنين لاستمرارية الدولة الرسمية غطاءً لأعماله وسلاحه وتجاوزاته ورهاناته وحروبه، امّا بايصال رئيس ينتمي بالفعل لمحوره كهوية سياسية، أو بايصال رئيس خاضع ومطواع لمحوره، و»القوات اللبنانية» التي طرحت من البداية وتستمرّ بذلك «مرشّح المواجهة» القادر على مواجهة الأزمة والرافض للتّأقلم معها، والجاهز فكرياً ومعنوياً لخوض المواجهات ضد التجاوزات وضد خرق القوانين والإستخفاف بالسيادة الوطنية، وغير قابل لتهميش الرئاسة. بالإضافة لهذين الفريقين الأساسيين هناك افرقاء آخرون حسموا أمرهم واصطفوا في أحد الخندقين كونهم أدركوا معنى المعركة السياسية وعمق تأثيراتها وباشروا الخطوات اللازمة للمساهمة في التوازنات. ويبقى «التكتل التغييري» الذي ما زال حتى الآن يراهن على مبادرات توافقية يأمل ان تُشكّل التلاقي بين اطرافٍ من كلا الخندقين السياسيين، ساعياً من خلال ذلك الى البدء باضعاف الخندقين معاً.

 

ان مبادرة تكتل «التغيير» تتناسب عملياً مع اوضاع عادية لبلدان تتمتع بالإستقرار السياسي النسبي والثقافي المتقارب والتفاهم الوطني الثابت على الهوية والدور، ولكن المبادرة تتحوّل للأسف خطوة سلبية في أوطان كلبنان، حيث يدور الخلاف فيه على اساسات وجود الدولة وعلى المفاهيم الإجتماعية والاقتصادية والايديولوجية، وتعتبر أطراف الخنادق السياسية انها تعيش حرب وجود وبقاء. ولذلك هناك محاذير كبيرة جداً عند دخول المبادرة في التفاصيل والأسماء المرشّحة للرئاسة، وأول الأخطار الذي سيهدّدها سيتأتّى من خبرات «حزب الله» التفاوضية القديرة على سحب المبادرة الى طرح ترشيحات تمثّل ذهنية «ربط نزاعات» مشابهة للمبادرات التي ادت في السابق الى ضرب الجبهة السيادية التي اطلقها الشعب اللبناني في ثورة الأرز.

 

ان النيات السليمة والطيبة والحضارية للمبادرين لن تستطيع كسر مشروع تدمير لبنان وافقاره وعزله عالمياً وفصله عربياً، وان وصول شخصيات لا لون سياسياً لها ولا طرح استراتيجياً وطنياً واضحاً لها، تفتقر للشجاعة الكافية للقيام بما يلزم من مواقف وخطوات عملية لخدمة الهدف المنشود، سيصب لصالح استمرار الوضع الحالي الجهنّمي.

 

لكل المرشّحين مشاريع سياسية، خاصةً الآتين من قبل اطراف استراتيجية كـ»حزب الله»، والآتين ايضاً من قبل الاطراف المواجهة له، ولذا فالتوافق يجب ان يكون له ايضاً مشروع. وان كان التوافق والتفاهم الوطني المطروح هدفه صهْر الخنادق والأطراف جميعاً في مشروع وطني شبه جامع عنوانه السيادة الوطنية وانتظام مؤسسات الدولة وحماية الشراكة الوطنية فذلك يعني توافقاً وطنياً حقيقياً يؤكّد ان المشاريع الايديولوجية والعقائدية الساكنة في عقول بعض القادة في لبنان والمغروزة في ضمير المنتمين للتحرّكات المنظمة قد استسلمت لعملية اعادة لبنان الى شاطئ الحضارة والازدهار والتقدّم والتطور في العلاقات العربية والدولية، فهل من المنطقي الاعتقاد بصوابية هذا الرهان ؟؟؟ ان تعاطي «حزب الله» التفاوضي المستوعب للطروحات لا يعني ابداً انفتاحاً لمنطق الغاء الفروقات والدخول في شراكة وطنية وتفاهم حقيقي، بل يعني انه يلجأ لتموضع تفاوضي اكثر خبثاً من اجل تسويق مرشّحين مقبولين في بيئتهم ومدعومين من عدد من الاطراف السياسية، ولكن يُؤدي وجودهم في سدّة الرئاسة لخدمة مشروع الدويلة. ان تموضعات «حزب الله» التفاوضية لن تلغي احتمال لجوئه الى اساليب اخرى لخلط الاوراق ولفرض الشروط.

 

الى هذه الحدود تصل خطورة المبادرات والى هذه الحدود من الجدّية على كل المرشّحين ان يأخذوا بالاعتبار في حساباتهم ان كانوا يريدون ان يكونوا مرشّحي المشروع الانقاذي «كن التغيير الذي تتمنّى ان تراه في العالم» مهاتما غاندي. الرئاسة المقبلة لا تحتمل منهجية التراخي في المواقف والتساهل في الانتظام العام، والرئاسة المقبلة عنوانها الأساسي «الانقاذ» مع ما يحمل هذا العنوان من تجرّد في الحسابات السياسية الشخصية واستعداد للتضحية بالذات والدخول الى خندق مواجهة الازمات فور اعتلاء الرئيس الكرسي الرئاسي.

 

تتوالى الترشيحات الرئاسية وتتكاثر يومياً، وتتبنّى جميعها طروحات انشائية جميلة وبرّاقة، ومن اجل تحويل هذا الامر ترشيحاً جدّياً على كل مرشّح استذكار الصفحات المُهينة التي مرّت في الولاية السابقة بحق الرئاسة والاحداث المُسيئة التي صدرت عن رئاسة لم تعر اهتماماً للخطوات الضرورية لليقظة الوطنية، رئاسة بدأت في اعلى مستويات التأييد الشعبي والسياسي ولم تستفد من ذلك، وانتهت بأسفل الدرك. ليحاول كل راغب بالترشّح للرئاسة ايجاد التموضع الذي يؤمن به، مُختبراً قدراته امام تلك التحدّيات التي ستنفجر بوجهه فور تسلّمه المسؤوليات الرئاسية. وليطرح المبادرون ومرشّحوهم الاسئلة اللازمة على انفسهم قبل الاستمرار بالترشيحات منعاً للمفاجآت غير المسرّة في المستقبل وتجنّبا لتجيير الرئاسة لمحور الممانعة. وعلى رأس هذه التساؤلات المشروعة والواجب طرحها من الآن، هل من نذرَ نفسه اربعين سنة لصالح مشروع ولي فقيه في ايران وبايديولوجية وعقيدة واضحة وثابتة مستعد للتخلّي عن ذلك للدخول في الشراكة الوطنية ؟؟؟

 

اخطر الطروحات الرئاسية تلك التي تؤدي الى الفراغ في الرئاسة، فطرح عدم وصول رئيس ينتمي الى الخندقين المتواجهين لا يعني ترشيح شخصية من خندق الفراغ الذي ستنحصر اهتماماته في المسائل الناتجة عن المرض الاساسي. الوقت قاتل للبلد ومهجّر للشعب، والمحاولات الترشيحية السلامية والتوافقية التي انطلقت ستذهب سدى كما حصل في السابق مع طارحي «ربط النزاع» وتسويات «الحكومات الوطنية» والتفاهمات التحاصصية، وان محور الممانعة العنيد بقناعاته وبخططه التطويعية التي تتكشّف يومياً من ايران وحتى لبنان يُؤكد مدى تعلّقه وتمسّكه بايديولجيته، فالانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي نتيجة حكم الثورة الاسلامية لا يهزّ كيان النظام ولا يُحرّك ضمير قادته، فالحقيقة المرّة تشيرالى ان هؤلاء القادة لا يُعيرون اهتماماً لمستوى عيش الناس ولرفاهيتهم ولتحصيلهم حقوقهم، فنشر الثورة فوق كل اعتبار.

 

لا ضرر بالمبادرات ان عرفت حدّها قبل سقوطها بشباك الأشرار، فتمسّكها بمواصفات الرئيس الانقاذي المستعد لمواجهة الازمات يحصّنها من الألاعيب والتشاطر المعهود، والانقاذ له شروطه والالتزام به يمنع الوقوع فريسة محور الممانعة ويقف عائقاً امام تحويل الرئاسة الى محور الفراغ.

 

الغاء الاصطفافات الداخلية واجب وطني عند حدوث طارئ مصيري او غزو ما يُهدّد الكيان، ولا حالة مهدّدة حالياً للبنان اكثر من التهريب، فهل لمحور الممانعة المانع للاصطفاف الوطني الشامل خلف رئيس جدّي عقد العزم على محاربة التهريب؟؟؟

 

والغاء الاصطفافات الداخلية واجب وطني عندما يتكوّن خطر ما على الامن الاجتماعي، فهل لمحور الممانعة القناعة والقدرة للوقوف مع رئيس جمهورية جدّي في عملية تنظيف الادارة اللبنانية الرسمية من توظيفات وتشكيل هيئات ناظمة واحترام سيادة القرار؟؟؟

 

مواجهة الازمة تعني اخذ قرارات جريئة وحكيمة لمواجهة الازمات، ومواجهة الازمات من مواجهة الفراغ، وتضييع الوقت من خداع الناس، والمرشّح الرئاسي من مشروع وطن وهوية ومنهجية، و»لا نستطيع حل مشاكلنا بذات العقلية التي اعتمدناها عندما خلقناهم» البرت انشتاين. فمن يستوفي الشروط هو الرئيس المنقذ والمواجه للازمات وللفراغ، الرئيس الشجاع الذي ينطبق عليه قولٌ للكاتبة والسياسية والدبلوماسية الاميركية كلير بوث لوتشي «الشجاعة هي السلالم التي تعتليها كل القيم الاخرى».

 

(*) عضو تكتل «الجمهورية القوية»