يبدو أن كل الأطراف السياسية قد أدمنت على اللعب في الوقت الضائع، والإستسلام للضغوط والتدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية، المتشابكة في الصراعات الدائرة في المنطقة، والتي اتخذت من الوضع اللبناني ساحة للمواجهة غير المباشرة، وتصفية الحسابات.
لقد أثبت الحكم الحالي، ومعه المنظومة السياسية الفاسدة، فشلهم في إبعاد البلد عن لعبة المحاور المحتدمة في الإقليم، بل عمدوا إلى توريط البلاد والعباد في معارك خارجية، لا ناقة للبنان فيها ولا جمل، ودفع اللبنانيون الأثمان الباهظة لتداعياتها السياسية والإقتصادية، وتسببت بهذه العزلة العربية والدولية، غير المسبوقة في تاريخ وطن الأرز الذي يكابد أزماته وحيداً، من دون مساعدة من شقيق أو صديق.
أما السجالات الفارغة بين مواقع القرار الرسمي، فليست أكثر من زبد السيول التي تدمر ولا تنفع، لأنها تجرف ما تبقى من هيبة الدولة، وتقوض مقومات السلطة القادرة والفاعلة.
وأكدت التجارب والوقائع أن الأطراف الداخلية لا تملك حرية القرار، ولا تستطيع تخطي الحواجز الخارجية التي شلّت الحركة السياسية، وحوّلتها إلى ما يشبه طواحين الهواء، في وقت يبدو لبنان أنه بأمس الحاجة إلى حكم رشيد وسلطة قادرة على سلوك معارج الإصلاح والوصول إلى شواطئ الإنقاذ.
على ضوء هذه المعطيات المحلية والإقليمية التي يتخفّى في تفاصيلها جهابذة الحكم، من المستبعد بزوغ فجر الحكومة قريباً، وذلك على خلفية الاعتبارات التالية:
١- فقدان الثقة بين أطراف المنظومة السياسية، وخاصة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، واستمرار حرب البيانات بين فريقيهما، بما ينذر بصعوبة التوصل إلى «تفاهم ما» بينهما، وبقاء الأمور تراوح مكانها فترة أخرى من الزمن.
٢- استمرار تمسك فريق العهد بالثلث المعطل، واتهام الرئيس المكلف وحلفائه بالسعي للحصول على النصف المهيمن، وبالتالي إفتعال أسباب التسويف والتعطيل، التي تستفيد منها أجندات خارجية.
٣- تزايد إحتمالات بقاء البلد بلا حكومة دستورية كاملة الصلاحيات حتى نهاية العهد الحالي، الذي يبدو فريقه وكأنه لا يأبه للتداعيات الخطيرة التي يمكن أن تُداهم البلاد والعباد في دوامة أخطر الأزمات التي يواجهها لبنان في ظل هذا الفراغ المخيف في السلطة التنفيذية.
٤- استمرار الضغوط الخارجية لتغيير سلوك السلطة الحالية، وحليفها الأول حزب الله، ووقف تدخلات الحزب في الاضطرابات والحروب المشتعلة في سوريا والعراق واليمن.
٥- عدم تجاوب الدول المانحة، أشقاء وأصدقاء، والمؤسسات المالية الدولية في تقديم المساعدات اللازمة للبنان قبل تشكيل حكومة الإصلاح والإنقاذ، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الأوضاع المالية والمعيشية تدهوراً، لا سيما وأن إحتياطي مصرف لبنان يقترب من النفاد.
وإزاء كل هذه الاعتبارات، ثمة من يعتبر أن التعثر الحاصل في الاتفاق النووي الإيراني، يلعب دوراً موازياً، قد يفوق بأهمية تأثيره كل العوامل الداخلية، نظراً للنفوذ الإيراني البارز على الوضع اللبناني.
ويسترجع أصحاب هذا الرأي وقائع الظروف التي أحاطت بتأليف حكومة الرئيس تمام سلام في أواخر عهد الرئيس ميشال سليمان، حيث استمرت فترة التعطيل أكثر من أحد عشر شهراً، ليتم تشكيلها خلال أيام معدودات وقبل أن يجف حبر التوقيعات على الإتفاق النووي بين طهران وواشنطن في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما.
ولكن ماذا لو تأخر التوصل إلى صيغة ما لتعويم الاتفاق النووي الإيراني مرة أخرى؟
بالأمس كان التأخر اللبناني في تشكيل الحكومة يدور في ملعب الإنتخابات الرئاسية الأميركية، فهل تكون الإنتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران المقبل محطة إنتظار جديدة في جلجلة تأليف الحكومة، وخروج لبنان من هذا النفق الأسود، أم أن العودة إلى الاتفاق النووي تكون بداية الانفراج في الوضع الحكومي، ومسلسل الأزمات اللبنانية؟