لقد أثير الجدل أكثر من مرة حول النصاب الخاص لانعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، رغم أن الممارسة السياسية استقرت على اعتماد أكثرية الثلثين لتأمين النصاب. فقد نصت المادة ٤٩ من الدستور في فقرتها الثانية على ما يلي: «ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي…». ويلاحظ ان هذه المادة لم تشر إلى النصاب المطلوب لجعل الجلسة قانونية، ولكن حددت الأغلبية الواجبة للفوز بمنصب الرئاسة. وأمام تعدد وجهات النظر حول النصاب الخاص لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس لدى الفقهاء الدستوريين، برز منهم فريقان: فريق أول رأى ان الغالبية المطلوبة للفوز هي مطلوبة ضمنياً لتحديد النصاب على اعتبار أن جلسة انتخاب الرئيس مهمة وتتطلب نصاباً يفوق نصاب الجلسات العادية. لذلك يتوجب أن تنعقد جلسة بحضور ثلثي مجموع عدد النواب، دامجين في ذلك ما بين النصاب والغالبية المطلوبة للفوز بمنصب الرئاسة. واستقر ساسة لبنان مؤخراً على هذا الرأي، وما أدل على ذلك سوى الشغور الذي استمر سنتين ونصف نتيجة عدم توفر نصاب الثلثين. أما بالنسبة للفريق الآخر، ففي رأيه طالما أن الدستور لم يحدّد نصاباً خاصاً لجلسة الانتخاب، معنى ذلك أن المشرّع اكتفى بنصاب الجلسات العادية لهذه الجلسة. لذلك لا بد من العودة الى المادة ٣٤ من الدستور لتعيين نصاب الجلسة، والذي ينص على ما يلي: «لا يكون الاجتماع قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه…»، كما ان المادة ٦٣ من النظام الداخلي لمجلس النواب اشترطت أن لا تفتح جلسة في المجلس إلا بحضور الأغلبية من عدد أعضائه وأن لا يتم التصويت إلا عند توافر النصاب في قاعة الاجتماع. ويرى أصحاب هذا الرأي انه لو أراد المشرّع وضع نصاب خاص لجلسة انتخاب الرئيس لفعل مثلما فعل في المادة ٧٩ من الدستور عندما اشترط نصاباً يشمل ثلثي الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً حتى يتم البحث في أي مشروع يتعلق بتعديل الدستور، وحتى يتم التصويت عليه. وقد تبنّى هذا الرأي الرئيس صبري حمادة عندما أعلن عام ١٩٧٠ أنه سيدعو الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية ويعتبر النصاب مؤمّن بمجرد حضور الأكثرية المطلقة من النواب، على أن لا يعتبر فائزاً إلا من نال الأكثرية المطلقة في دورة الاقتراع الثانية. كما تبنّى هذا الرأي الأستاذ أنور الخطيب عندما قال بأنه يكفي لكي يكون الاجتماع قانونياً أن يضم نصاب الجلسات العادية المنصوص عليه في المادة ٣٤ من الدستور، أي الأكثرية المطلقة من مجموع أعضاء النواب. ويتابع قائلاً ان الدستور عندما يتطلب موضوع ما نصاباً غير النصاب العادي، ينص بشكل صريح لا يدع مجالاً لأي شك أو تأويل. وفي 5/5/1976 وبمناسبة انتخاب الرئيس إلياس سركيس، قرر مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل أن النصاب الدستوري لا يمكن أن يكون إلا نصاب الجلسات العادية، وليس الثلثين، مما يعني انه لا بد من حضور الأكثرية المطلقة من النواب لعقد الجلسة والمباشرة بعملية الانتخاب. ونحن نعتقد ان الرأي الثاني يؤمّن التطبيق السليم للدستور واستمرارية المؤسسة الدستورية، لانه باعتماد أكثرية الثلثين فهذا الأمر يساعد على تمكين الأقلية من تعطيل جلسة انتخاب الرئاسة بمجرد عدم حضورها الى المجلس في جلسة الانتخاب. ونعتقد انه لا يجوز استنباط حلول وتفسيرات لا تتلاءم مع النصوص الدستورية. وصفوة القول إن قضية النصاب لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس ليست قضية دستورية بقدر ما هي قضية سياسية، زادت حدتها بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، وأدخلت البلد بدوامة الفراغ بذريعة أن نظامنا توافقي ولا يسمح لاكثرية نيابية بان تتفرد بحكم البلد وتختار رئيس البلاد.