IMLebanon

السيناريو الرئاسي الوحيد.. الآن

إصطدمت الانتخابات الرئاسية بالحائط المسدود، فلا المعارضة قادرة على جمع 65 نائباً، ولا الموالاة قادرة على توحيد صفوفها، ولا الخارج قادر على توحيد الموقف الرئاسي بين المعارضة والموالاة.

تختصر بعض الأمثلة واقع الحال بدقة متناهية، وأكثر ما ينطبق على مواصلة الرهان على بعض نواب المعارضة المثل القائل «المكتوب يُقرأ من عنوانه»، أو «لو بدّا تشتّي غيّمت»، حيث ينقسم هذ البعض بين فئة لديها منطقها وحساباتها ومصالحها، وفئة مفروغ منها تتعاطى العمل السياسي على قاعدتي «خالف تُعرف» وانّ «الله خلقها وكسر القالب»، ومن الخطأ الجسيم الذي يرتقي إلى خطيئة مجرّد الرهان على الفئة الثانية التي يجب تجاهلها تماماً، كونها تزايد على السياديين بتشخيص طبيعة الأزمة وتخدم غير السياديين بممارستها، وخطورة هذه الفئة انّها تضلِّل الرأي العام، الذي لو قدِّر له ان يقترع في انتخابات مبكرة لما اقترع لها كما فعل في 15 أيار الماضي.

 

وعلى رغم عدم قدرة المعارضة على جمع 65 نائباً، إلّا انّها في موقع متقدِّم على الموالاة بسبب اتفاق معظم مكوناتها على مرشّح واحد، وتحولّت إلى «بلوك» نيابي قادر على التأثير في مجريات المفاوضات والانتخابات الرئاسية، ولكن عجزها عن ملامسة عتبة النصف + 1 يخدم صورتها أمام الرأي العام كفريق جاد ومتجانس وضدّ الشغور ويريد انتخابات رئاسية فوراً، إلّا انّه لا يمنحها ورقة اتهام الفريق الآخر بأنّه يعطِّل انتخاب مرشحها الذي ينال تأييد 65 نائباً وما فوق.

 

وإذا كانت مشكلة المعارضة الرقم (65) لا الإسم، بعدما تبنَّت معظم مكوناتها ترشيح النائب ميشال معوض، فإنّ مشكلة الموالاة تكمن في عجزها عن حسم إسم مرشحها بسبب تمسُّك السيد حسن نصرالله بترشيح النائب السابق سليمان فرنجية، ورفض النائب جبران باسيل القاطع لتبنّي هذا الترشيح. ولا شك انّ باسيل منزعج من عدم تبنّي نصرالله لترشيحه، بمعزل عن ظروفه السياسية التي لا تسمح بانتخابه، ولكن، بالنسبة إليه، لم تكن ظروف العماد ميشال عون مع إعلان ترشيحه مختلفة عن ظروفه، وقد ساهم عامل الوقت في تحسينها، وهذا ما لا يتفهمّه بموقف حليفه الرافض لتبنّي ترشيحه، خصوصاً انّه الحليف الوحيد لنصرالله الذي يملك كتلة وحيثية، ويجاهر بمعادلة التكامل بين الدولة والمقاومة.

 

وما تقدّم، يُفيد بأنّ التوافق بين السيد نصرالله والنائب باسيل على خيار آخر متعذِّر، أقلّه في هذه المرحلة، ولكن يفيد بالمقابل انّ الأول لن يسير بأي توجّه رئاسي بشكل رسمي من دون التوافق مع الثاني، كون لا مصلحة لديه بخسارة الكتلة الوحيدة الوازنة إلى جانبه، والتي تجاهر بتحالفها معه، كما يُفيد انّ الثاني لن يبقى مكتوف الأيدي بسبب خشيته من أحداث وظروف ترجِّح كفة فرنجية، وبالتالي من المرجّح ان يتحرّك ضمن حدّين:

 

الحدّ الأول ان يُبادر في حركة سياسية محاولاً فكّ عزلته، بعد ان اصطدم بمعظم القوى باستثناء «حزب الله».

الحدّ الثاني ان يبحث عن خيار رئاسي يناسبه وتقبل به المعارضة ولا يعترض عليه الثنائي الحزبي الشيعي.

 

فبعدما تأكّد باسيل انّ «حزب الله» لن يدعم ترشيحه، وانّه ماضٍ في دعم ترشيح فرنجية، وبما انّه يدرك انّه من دون تبنّيه رسمياً من قِبل الحزب على غرار ما حصل مع الرئيس عون، يعني ليس فقط انتفاء حظوظه الرئاسية، إنما انّ الوقت لم يعد يعمل لمصلحته بفعل احتمال نشوء ظروف خارجية وداخلية تدفع باتجاه انتخاب رئيس لا يكون له من تأثير على انتخابه.

 

وحيال كل ما تقدّم، وبما انّ المعارضة اصطدمت بالحائط المسدود شأنها شأن «حزب الله» من جهة، و»التيار الوطني الحر» من جهة أخرى، وبما انّ انتخاب رئيس للجمهورية أصبح متعذراً سوى في حالة تبديل أحد المكونات تموضعه السياسي، وبما انّه في السياسة التقاطع غير المباشر على هدف مشترك بين الخصوم والأعداء هو أمر جائز، وقد حصل في الترسيم بين «حزب الله» وإسرائيل، وبما انّ باسيل أرسل ويُرسل أكثر من إشارة لاستعداده فتح حوارات رئاسية في أكثر من اتجاه، فهل من مصلحة المعارضة الانفتاح عليه والتجاوب مع إشاراته، وكيف؟

 

وما يُفترض تحديده بداية يتعلّق بماهية مصلحة المعارضة، إذ من مصلحتها أولاً انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن ليس مطلق أي رئيس، ومن مصلحتها ثانياً انتخاب مرشحها معوّض او من تنطبق عليه المواصفات نفسها، فيما ليس من مصلحتها الإفساح في المجال أمام النائب باسيل لاستخدام فتح الحوار معها وتوظيفه تحسيناً لشروطه مع «حزب الله»، وليس من مصلحتها تحويل الحوار معه إلى حوار مسيحي-مسيحي، لأنّ الانقسام القائم هو بين مشروعين للبنان، وكل مشروع يضمّ مسيحيين ومسلمين، وليس من مصلحتها الدخول في حوارات مباشرة مع باسيل كونه بأمسّ الحاجة لصورة لا يجب ان تمنحه إيّاها.

 

فمصلحة المعارضة الأولى إذاً إنهاء الشغور وانتخاب الرئيس الذي يتحلّى بمواصفات رجل الدولة، ومصلحتها الثانية ان تبقى موحّدة وتتجنّب الحوار المسيحي-المسيحي، ومصلحتها الثالثة ان تبحث عن الجهة القادرة ان تلعب دور صلة الوصل بينها وبين باسيل، أي على غرار «اليونيفيل» في ملف الترسيم بين إسرائيل و»حزب الله»، أو واشنطن بين الدولة اللبنانية والدولة الإسرائيلية، والجهة الأفضل في ملف الانتخابات الرئاسية هي بكركي كونها معنية أيضاً بهذا الملف وسيِّدها أكثر من رفع الصوت لانتخاب رئيس ورفضاً للشغور، فيتولّى تبادل الأسماء بين المعارضة وباسيل، إنما بشكل منفصل ومن دون اجتماعات مشتركة وبعيداً من الأضواء.

 

فالثغرة الرئاسية الوحيدة راهناً التي يمكن الاستفادة منها تكمن في التباين بين السيد نصرالله والنائب باسيل. وطالما انّ الأخير هو من يبادر واستخدم مبادرته الرئاسية كحجة – وسيلة لمحاولة فتح نوافذ وفوهات، وطالما انّ بكركي مستعدة وأبوابها مفتوحة، وطالما أن لا خسائر سياسية ولا معنوية من تواصل غير مباشر وبالجملة لا بالمفرّق، فإنّه لا بدّ لأي اتفاق على مرشّح بواسطة بكركي ويلقى تأييد المعارضة السيادية التعددية من جهة، و»التيار الوطني الحر» من جهة ثانية، واستطراداً الأكثرية الساحقة من المسيحيين، وبالتالي لا بدّ لاتفاق من هذا النوع إلّا أن يشقّ طريقه نحو القصر الجمهوري، خصوصاً إذا كان المرشّح المطروح لا يعتبره «حزب الله» مستفزاً.

 

فعلى المعارضة ان تستفيد من التباين الرئاسي بين الحزب والتيار، وتحديداً بعد ان تحوّل باسيل إلى الحاجز الذي يرفض تبنّي مرشّح الحزب، وبعد ان تعطّل دور الأخير في ظل عدم استعداده المجاهرة بخياره حرصاً على علاقته مع التيار، وبالتالي يجب التقاط هذه اللحظة، خصوصاً انّ من يمدّ اليد هو باسيل لا المعارضة، وقد تشكّل فرصة جدّية لإنهاء الشغور، ولا مؤشرات إلى وجود فرصة أخرى سوى في حالة واحدة، وهي ان يكون نصرالله بحاجة لمخرج من خياري باسيل وفرنجية، فيتولّى الرئيس نبيه بري دور البطريرك بشارة الراعي بأن يؤمّن له هذا المخرج، فيعمل على إخراج التسوية الرئاسية من خلال تولّيه دور صلة الوصل بين المعارضة والموالاة.