ترك الرئيس السابق ميشال عون قصر بعبدا ولم تصل القوى السياسية إلى حلّ للفراغ الرئاسي، وباتت البلاد أمام مصير صعب في حال طال عمر الفراغ. ليس جديداً على «التيار الوطني الحرّ» أن يخوض الإنتخابات الرئاسية بهذه الشراسة، فمن يراقب مجريات الأمور منذ أيار الماضي يكتشف أن «التيار» خسر مسيحياً ووطنياً الكثير، لكنه حافظ على دوره في الحكم بسبب الدعم «المفرط» الذي مدّه به «حزب الله» وجعل كتلته على مسافة قريبة من أكبر كتلة برلمانية أي «القوات اللبنانية».
وإذا كانت للإنتخابات الرئاسية في السابق نكهتها الخاصة، فإن لهذه الإنتخابات أهميتها وميزتها بالنسبة لـ»التيار البرتقالي». فمعركة 2007 الرئاسية لم تكن مفصلية، وكان معطى العمر لا يزال يعطي الجنرال فرصة الإنتظار، أما معركة الـ2014 فكانت المفصلية، فالجنرال الطامح للعودة إلى بعبدا رافعاً شعار «التغيير والإصلاح»، اعتبرها معركته الأخيرة وأراد الوصول بأي ثمن، فحقّق مبتغاه.
اليوم يقف «التيار الوطني الحرّ» أمام معركة يصفها بـ»الوجودية»، وذلك لأسباب عدّة أبرزها خسارته الصدارة على الساحة المسيحية ولو لم يرد الإعتراف بالأمر الواقع. أما السبب الثاني فهو عدم رغبة النائب جبران باسيل بخسارة معركة يعتبرها ليست بعيدة عنه طالما أنّ «حزب الله» ما زال قادراً على التحكّم بخيوط اللعبة، وطالما أنّ العهد نجح بملف ترسيم الحدود مع إسرائيل.
ويضاف إلى الأسباب المذكورة التي تجعل باسيل يستشرس أكثر في المعركة الرئاسية، سبب آخر وهو معرفته أنّ عون الرئيس الذي حكم من قصر بعبدا هو غير عون الرئيس السابق المتواجد حالياً في الرابية، فالوهج الذي كان يتمتع به عون إنطفأ، وبالتالي فإنّ قدرة باسيل على لمّ شمل الجماهير التي ناصرت مؤسس «التيار» ستتلاشى إلى أن تنعدم وسط الخلافات المستشرية في جسد الحزب المترهّل.
وأمام كل هذه الوقائع، يخوض باسيل المعركة تحت شعار «يا قاتل يا مقتول»، وإذا لم ينجح بالوصول إلى بعبدا فأقله أن يأتي برئيس من تحت عباءته مستفيداً من العلاقة الجيدة التي تربطه بـ»حزب الله». وبعد استمرار باسيل بالتشدّد الرئاسي وخصوصاً بعد زيارته قطر وباريس فإنّ المؤشرات الآتية من ميرنا الشالوحي تدلّ على ما يلي:
أولاً: إن باسيل يضع «حزب الله» أمام الأمر الواقع، فإضافة إلى تمنينه بالعقوبات، فإنه يعتبر أنّ الإستحقاق الرئاسي له شقّ مسيحي كبير، وبالتالي فإن باسيل يريد أن يستلم زمام الأمور في هذا الملف.
ثانياً: يواصل باسيل وضع «فيتو» على ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الذي يحبّذ «الحزب» ترشيحه، ولم يسر به حتى هذه اللحظة.
ثالثاً: يضع باسيل شرط الميثاقية والتمثيل المسيحي لأي مرشّح أو أقله أن يكون مدعوماً من كتل مسيحية كبيرة كحالة رئيس حركة «الإستقلال» النائب ميشال معوّض.
رابعاً: يشترط باسيل وجود خريطة طريق تحترم الشراكة وحجم الكتل وتعالج المسائل الأساسية كشرط لقبول أي مرشّح.
خامساً: لم يلتقط باسيل أي إشارات توحي بقرب نضوج تسوية إقليمية أو دولية تتعلّق باسم الرئيس الجديد.
سادساً: لن يعلن باسيل ترشّحه للرئاسة على إعتبار أن الترشّح ليس شرطاً أساسياً لخوض الإستحقاق الرئاسي.
سابعاً: لم تفتح قنوات إتصال بين باسيل ومعراب أو بنشعي أو بين بقية الأطراف الأخرى بل إنّ الإمور إلى مزيد من التأزّم.
ولا يزال باسيل يراهن على عامل الوقت لتحقيق خرق ما في الإستحقاق الرئاسي، لكن الأكيد أنّ الرجل لن يُقدّم تنازلات أو يتنازل عما يعتبره حقاً له في تحديد مسار الإستحقاق الرئاسي، حيث يردّد عبارة «إذا كانوا بيقدروا ينتخبوا رئيس من دوننا فلينتخبوا»، لذلك فإن باسيل المتشدد رئاسياً ينشد الإنتصار في المعركة الرئاسية، وإلا فإن تياره سيشهد مزيداً من التراجع وبذلك يفقد دوره على الساحة المسيحية والوطنية.