IMLebanon

الرئاسة المعلّقة: قنوات اتّصال تخرق الإصطفافات

 

 

فعلياً، لا حراك جدياً في الملف الرئاسي. أقلّه حتى مطلع العام المقبل بعدما ملأ المونديال الدنيا وشغل الناس فيما يفترض أن تكون عطلة الأعياد المنتظرة حجّة لكي لا تُضرب ضربة في الملفّ. أمّا غير ذلك فهو مجرّد تقطيع للوقت بموازاة بعض الأفكار التي تُطرح من هنا وهناك علّها تنجح في استثمار الزمن الضائع من خلال تهيئة الأرضية الانتخابية بانتظار أن تحلّ ساعة الحسم.

 

بهذا المعنى، يمكن القول إنّ ما يضجّ به الفضاء الرئاسي هو مجرّد مبادرات افتراضية، غير مكتملة، على قاعدة «ماذا لو»، لا تهدف إلّا لشقّ الطريق نحو قصر بعبدا، وتكون بمثابة مشاريع أفكار تمهّد لعروض جدّيّة ينتظر أن يكون الوقت كفيلاً بإنضاجها. ولهذا لا يجوز وصف تلك المبادرات إلّا بكونها محاولات لتحريك المياه الراكدة، يمكن تلخيصها بالآتي:

 

– وحدها الإدارة الفرنسية متحمّسة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، ولكنّها في المقابل لا تملك الأدوات ولا النفوذ لتحقيق مبتغاها، مع أنّها للّحظة لم تصغ مبادرة متكاملة لوضعها على طاولة الدول المعنية وتحديداً الولايات المتحدة والسعودية في المقابل تبقي على محرّكات حوارها مع «حزب الله» شغّالة على الدوام. وما يُستشفّ من الحوارات التي يجريها المسؤولون الفرنسيون مع المسؤولين اللبنانيين، هو أنّه ليس لباريس مرشّح مفضّل. لا بل يتردد أنّ ثمة مسؤولين لا يمانعون وصول رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية على قاعدة أنّ ترشيحه يمثّل مجموعة وازنة من القوى السياسية اللبنانية ولا يمكن تجاوز خيارها، فيما يفضّل مسؤولون فرنسيون آخرون الذهاب إلى خيار ترشيح قائد الجيش جوزاف عون على قاعدة أنّه مقبول أميركياً وسعودياً. ولكن إلى الآن، لا يغلب أيّ رأي على الآخر.

 

– لا تزال السعودية تتعامل مع الملفّ اللبناني بشيء من «إدارة الظهر»، ولو أنّها تترك منفذ برنامج المساعدات الإنسانية مفتوحاً مع باريس، ولكن أيضاً، وفق المعلومات ثمة رأيان في المملكة يلخّصان مقاربتها الملفّ الرئاسي، أحدهما لا يمانع وصول فرنجية فيما يرى الثاني أنّ قائد الجيش هو الممرّ الإلزامي للعودة إلى لبنان. ولكن إلى الآن، لم يحدّد ولي العهد محمد بن سلمان موقفه النهائي من الاستحقاق الرئاسي. ويردّد المواكبون أنّ الرياض لا تزال عند المعادلة ذاتها التي عبّر عنها البيان الثلاثي الأميركي- الفرنسي- السعودي.

 

– دخل القطريون على خطّ الرئاسة من منطلق سؤال يختصر المعادلة: ماذا يريد «حزب الله» لتأمين تأييد ترشيح قائد الجيش؟ ولكن إلى الآن لا جواب.

 

إذاً، كلّها محاولات أولية تنتظر اكتمال عناصرها ونضوج «طبختها»، خصوصاً أنّ الخارج يُهمل الملفّ اللبناني ولا يعطيه أي أولوية في سلّم اهتماماته، وبالتالي لا بدّ من ترقّب الأحداث والتطوّرات التي من شأنها أن تسرّع ساعة الرئاسة.

 

داخلياً، ثمّة مرشّح معلن هو النائب ميشال معوّض وثمة مرشّحان مُضمران، وهما الأكثر جديّة، أي سليمان فرنجية وجوزاف عون، وكلّ منهما يسعى إلى تحصين معركته وحيثيته، من خلال القيام بالـDevoir كاملاً، على المستويين الداخلي والخارجي، قبل أن تكتمل الصورة الإقليمية والدولية. بهذا المعنى تُفهم مثلاً الجولات الخارجية التي قام بها مقرّبون من قائد الجيش إلى عدد من العواصم المعنية، كذلك سعي فرنجية إلى كسر «الصمت السعودي» عبر الوسيط الإماراتي.

 

ونظراً لأنّ الخارج يتعاطى بكثير من اللامبالاة مع الملفّ الرئاسي، يبدو أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي يسعى إلى استثمار الوقت الضائع للخروج من «المتاهة المقفلة» التي تعكسها جلسات الخميس الانتخابية، والتي تزيد من حدّة الانتقادات التي يتعرّض لها أسبوعياً… من خلال العمل على مخارج جديدة تسهم في تعزيز حظوظ فرنجية أكثر، وتجعل منه «مرشّح الـ65 صوتاً»، أو ما يقاربها، خصوصاً أنّه يحتاج إلى حوالى 10 أو 12 صوتاً لكي يثبت جديّة ترشيحه. وكل ذلك بهدف استدراج الخارج إلى تسوية حول الرئاسة اللبنانية.

 

في الواقع، ورغم كلّ ما ينقل عن رفض رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لترئيس فرنجية، انسجاماً مع موقف السعودية، وربطاً برفض نجله تيمور هذا الخيار، تفيد المعلومات بأنّ رئيس المجلس لا يزال عند رأيه: «اتركوا جنبلاط عليي». بناء عليه، يعمل برّي على خطّ تنشيط الحوارات في كلّ الاتجاهات، وحتى باتجاه «القوات» على قاعدة تأمين النصاب القانوني، خصوصاً أنّ مجموعة كبيرة من النواب السنّة ممن يدورون في فلك «الحريرية» السياسية، تبدي استعدادها للتصويت لرئيس «تيار المرده»، لتكون أصوات «اللقاء الديموقراطي» أو بعضها، «السيبة» الرابعة لهذا التفاهم… أو أن تدفع هذه التطورات رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل للنزول عن شجرة رفضه التفاهم مع فرنجية إذا ما وجد نفسه معزولاً عن التفاهم الرئاسي الذي ينسج من دونه.