Site icon IMLebanon

مصير العلاقة بين الحزب والتيار يتوقّف على الرئاسة

 

تحريك الاستحقاق الرئاسي الذي دخل في جمود يتطلّب أن تُبدِّل بعض القوى تموضعاتها السياسية من أجل الخروج من الستاتيكو السلبي، فهل تبديل النائب جبران باسيل لتموضعه يُخرج الرئاسة من شغورها؟

شهدت العلاقة بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» ثلاث نكسات في فترة قصيرة جدا: النكسة الأولى تجاهل مطلب باسيل تأليف حكومة جديدة قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون؛ النكسة الثانية إبلاغ السيد حسن نصرالله لضيفه باسيل دعمه ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية؛ النكسة الثالثة انعقاد جلسة للحكومة بعدما كان تفاهم الحزب مع التيار بعدم تلبية دعوة من هذا القبيل.

 

والنكسات الثلاث تُختصر بواحدة وهي عدم ترك «حزب الله» المبادرة الرئاسية بيد باسيل ليكون صاحب القرار الأول والأخير في استحقاق مسيحي ويشكل أساسا أولوية الأولويات له، ومن منطلق أيضا ان «التيار الحر» لا يتدخّل في خيار الحزب وقراره فيما يتصل بالرئاسة الثانية، وانه على الحزب ان يحذو حذوه بأن يكون في موقع الداعم لحليفه وليس المقرِّر عنه.

 

ولا يتعامل «التيار الحر» مع «حزب الله» على قاعدة ان الثاني هو المقرِّر والأول هو المنفِّذ، إنما يتعامل معه من منطلق شراكة بين فريق كان مأزوماً في عامي 2005 و2006 ومحاصراً وبحاجة لمن يفكّ عنه العزلة ويشكل غطاءً لدوره وسلاحه، وفريق يريد رئاسة الجمهورية التي رفضت مكونات 14 آذار منحه إيّاها. فالعلاقة بينهما ليست بين تابع ومتبوع، إنما بين شريكين بوظيفتين مختلفتين وحاجتين متبادلتين: التيار بحاجة للحزب من أجل انتزاع رئاسة الجمهورية، والحزب بحاجة للتيار من أجل انتزاع الثلث المعطِّل بدلاً من الفيتو المذهبي، واختراق البيئات الطائفية بتمثيل فعلي لمشروعه.

 

والعلاقة بين الحزب والتيار كانت محط مزايدة من الثاني على مكونات 14 آذار المسيحية بأن شريكهم السني ينافسهم على المواقع المسيحية، فيما شريكه الشيعي يتنازل عن هذه المواقع تلقائياً له، الأمر الذي لم يعد قائماً ويبدو ان هذا التنازل كان سقفه التعهُّد بانتخاب عون وليس من يخلفه، فيما بالنسبة إلى التيار هذه المعادلة يجب ان تكون ثابتة وغير متحركة، لأنّ تراجع الحزب عن تأييد المرشّح الذي يقرِّر هويته التيار يدفع الأخير إلى التراجع عن دعمه المفتوح للحزب.

 

ويظنّ الحزب انّ باستطاعته إدارة الحياة السياسية اللبنانية على طريقة إدارتها من قبل النظام السوري الذي كان يكفي ان يتّخِذ القرار لينفّذ من دون اعتراض، ولكن الحزب ليس النظام، ومفاتيح السلطة ليست بيده، وتبنّيه لرئيس «المردة» قد يفقده العلاقة مع رئيس التيار، فيما الحزب كان يظن انّ باستطاعته إقناع باسيل بالمداورة وان دوره يأتي بعد فرنجية، لكنّ ظنّه كان خاطئاً.

 

ففي العقل العوني ان لا الرئيس عون ولا النائب باسيل يناقش السيد نصرالله في خياره في رئاسة مجلس النواب، ولا يفترض بالمقابل بنصرالله ان يناقش عون او باسيل في خياره على مستوى رئاسة الجمهورية، فهذه الورقة يجب ان تكون بيد عون على غرار ورقة رئاسة البرلمان التي يجب ان تكون بيد نصرالله.

 

أما وقد قرّر نصرالله فسخ عقد الشراكة القائم على معادلة س-س، سلطة وسلاح، حيث ان السلاح يمنح سلطة والسلطة تغطي السلاح، فهل فسخ هذا العقد يؤدي إلى نهاية التحالف، أم يُبقي الخلاف الجدّي بينهما تحت سقف هذا التحالف؟

 

لا يملك الحزب ولا التيار ترف فك التحالف بين بعضهما البعض، وغير صحيح ان وضع الحزب وطنياً أفضل من وضع التيار، حيث انه يفتقد إلى اي حليف وازِن بحجم التيار، وقد أظهرت الانتخابات النيابية تراجع حضوره في البيئات المسيحية والسنية والدرزية، ولم يعد لديه مروحة الشخصيات السنية المدافعة عن مشروعه الخاص المُسمّى مقاومة، ونظرية انه أصبح بحاجة إلى حليف سني لا مسيحي غير دقيقة، فهو يحتاج إلى حليف سني ومسيحي ودرزي، وأقصى ما يريده من الساحة السنية تحييدها عن مواجهته، أي إبعاد نسخة الرئيس فؤاد السنيورة عن السرايا الحكومية، وهذا ما يجعله يتعامل بليونة مع عملية التكليف، وتبقى أنظاره مشدودة باتجاه رئاسة الجمهورية التي يعتبر انّ شاغل هذا الموقع يجب ان يكون من صفوف الممانعة.

 

ونقطة الخلاف بين الحزب والنائب باسيل ان الثاني لم يفهم على الأول بأنّ ظروف انتخابه غير متوافرة، وان عامل الوقت هذه المرة ضاغط جدا خلافا للمرة السابقة ولا يسمح بالمماطلة والشغور المفتوح، وان هناك فرصة لانتخاب النائب سليمان فرنجية لا يجب تفويتها بمعزل عن نجاح هذه المحاولة او فشلها، ولكن لا بدّ من المحاولة التي اصطدمت بجوهر اتفاق الـ»سين-سين»، اتفاق السلاح والسلطة الذي ركيزته ومنطلقه وأساسه وهدفه وخلفيّته رئاسة الجمهورية التي يعتبر التيار انه هو من يسمّي والحزب من يدعم لا العكس.

 

وإذا كان لا مصلحة لـ»حزب الله» بفكّ التحالف مع حليفه الأقوى خارج البيئة الشيعية، فإنه لا مصلحة إطلاقاً لـ»التيار الوطني الحر» بفكّ هذا التحالف كونه يفتقد إلى أي حليف موضوعي له داخل البيئة المسيحية وخارجها بسبب أزمة الثقة التي تراكمت بينه وبين كل القوى السياسية، وبالتالي لا يملك ترف الانفصال عن حليفه الوحيد.

 

وفي ظل غياب البدائل التحالفية الجدية لدى الحزب والتيار معاً، فإن خلافهما سيبقى تحت سقف تحالفهما، وهذا الاختبار الاشتباكي المثلّث (عدم تأليف حكومة، وترجيح خيار فرنجية، وتغطية اجتماع الحكومة) حصل عشيّة انتهاء عهد الرئيس عون وبعده، وكأنّ الحزب أراد ان يقول لباسيل الذي بدأ مشواره السياسي الجدّي والفعلي مع نهاية ولاية عون انّ قواعد التحالف التي كانت قد أُرسيت مع مؤسِّس التيار تختلف عن القواعد التي ستستمر مع رئيسه الحالي، وفي حال صحّت هذه الرسالة فإن التحالف سيكون مهددا بالسقوط بمعزل عن كل الاعتبارات الأخرى، لأن علة وجود التيار دوره السلطوي الرئاسي على غرار علة وجود الحزب سلاحه، ومن يبدِّل خياراته الاستراتيجية التي راكَم شعبيته على أساسها سعياً إلى رئاسة الجمهورية، لن يكون من الصعوبة عليه الخروج من خط سياسي ساهمَ في تراجع شعبيته ولم يعد في وارد تحقيق طموحه الرئاسي.

 

وإذا كان تشدُّد الحزب مع باسيل له علاقة بتغيير قواعد العلاقة معه، فإن ردّ باسيل على الرسالة بالمثل يعني بأنه لن يقبل بتغيير قواعد هذه العلاقة، وإذا كانت كل التباينات قابلة للمعالجة، فإنّ دعم الحزب لفرنجية عير قابل للمعالجة، فمعادلة التحالف تبدأ من رئاسة الجمهورية، والتيار ليس «مغروماً» بسلاح الحزب ودوره سوى بقدر إبقاء مفتاح الرئاسة الأولى بيده، وفي اللحظة التي يقرِّر فيها الحزب استعادة هذا المفتاح تنتهي هذه العلاقة، وهذا بالذات ما قد يفتح الاستحقاق الرئاسي على فرَص وخيارات، لأنّ الاشتباك مع الحزب الداعم لفرنجية يجعل باسيل يغادر سعيه الرئاسي ويبدأ طريق البحث عن خيارات يتقاطع فيها مع القوى الأخرى. فهل سيبادر باسيل في هذا الاتجاه؟ وهل تخلّى عن ترشيحه نهائيا؟ وهل سيتبنى ترشيحات لا تكون في خدمة مشروعه الخاص وتشكل مساحة مشتركة جدية مع الآخرين؟ لا شك ان إعادة تَموضع أحد المكونات يُعيد خلط الأوراق النيابية والرئاسية، ولكن هل يمكن الحديث جدياً عن تموضع جديد لباسيل؟