بعدما كان مسؤولون كبار ومعنيون بالاستحقاق الرئاسي يعوّلون على حوار داخلي ومبادرات أو لقاءات خارجية تُخرج هذا الاستحقاق من عنق الفراغ والمراوحة مع نهاية السنة، خابت توقعاتهم، بسبب تطورات معاكسة داخلياً وخارجياً، بنحوٍ يؤخّر انتخاب رئيس للجمهورية الى أمد غير مُحدّد. وتؤكد جهات سياسية منخرطة بالاتصالات الرئاسية، أن لا مبادرة خارجية جديّة بعد، ولا يتخطّى التحرُّك الأوروبي حدود الحض على إنجاز الاستحقاق الرئاسي سريعاً، فيما «أهل» قطر لا يزالون يستمعون إلى بعض الأفرقاء اللبنانيين، ولم يطرحوا أي مبادرة أو تسوية أو توافق على أي إسم، على عكس ما يُسوّق.
داخلياً أيضاً، لا تزال الأبواب الرئاسية موصدة، فأي لاعب أساس لم يغيّر من موقفه. وعلى خط عين التينة، يعتزم رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة بعد الأعياد، الى جلسات انتخابية وحتى تشريعية عند الضرورة واللزوم. وقد يدعو رئيس المجلس الى جلسة لانتخاب الرئيس قبل رأس السنة «على ضوء» الاتصالات الجارية مع جميع الأفرقاء والكتل النيابية، كذلك تؤكد مصادر قريبة منه أنّه متمسّك بالحوار، لأنّ الأساس لانتخاب الرئيس هو التفاهم الداخلي، وذلك بالاتفاق على المواصفات الرئاسية مع سلّة تفاهمات أخرى، قبل التفاهم على الأسماء.
ويجزم هؤلاء بأنّ بري «لم يجرّب الحوار وما مشي الحال»، بل إنّ الأفرقاء المسيحيين لم يتجاوبوا معه، وهو سيحاول مجدداً ولا يعتبر أنّه فشل، بل من رفضوا الحوار هم من فشلوا فرفْض اللقاء يعني إطالة الأزمة. وفي ضوء الاتصالات التي يجريها بري، حين يلمس أي تجاوب مع الحوار، سيدعو إليه مجدداً، إن في عين التينة أو في ساحة النجمة. كذلك إنّ التواصل بين بري وبكركي مفتوح، وهو يؤيّد الحوار المسيحي – المسيحي. إلّا أنّ رافضي الحوار، لا سيما الكتل المسيحية الرئيسية، لا يزالون على مواقفهم، وبالتالي لا خرق متوقّعاً على هذا المستوى.
أمّا على خط بكركي، فعلى رغم أنّ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يتشاور مع زواره حول أسماء مرشحة للرئاسة، ومن بينها الأسماء التي طرحها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، إلّا أن لا مؤشر حتى اللحظة، الى أنّ البطريرك في وارد الدخول في لعبة الأسماء أو لعب دور المرجعية التي تخرج الاستحقاق الرئاسي من الفراغ والجمود، فبكركي تعتبر انطلاقاً من التجارب السابقة، أنّ هذا المسعى إذا فشل سينعكس سلباً على دورها التاريخي. لذلك تكتفي بطرح خريطة طريق مبدئية لإنجاز هذا الاستحقاق، لجهة تحديد مواصفات الرئيس العتيد وحض المعنيين والكتل النيابية على انتخاب رئيس ورفع السقف في وجههم وتحميلهم مسؤولية التعطيل. وبالتالي، لا يظهر أنّ البطريركية المارونية ستأخذ على عاتقها المبادرة الى جس نبض الأفرقاء حيال أسماء وغربلتها للوصول الى توافق بين الجميع على اسم أو أكثر.
الى ذلك، تؤكد مصادر في السلطة، أنّ كلّ ما يدور حول الاستحقاق الرئاسي لا يعدو كونه أكثر من «حكي بحكي»، فلا طرح ثابت وأكيد، ولا تزال الاتصالات الخارجية في إطار التمنيات علَّ الداخل يقوم بدوره. ويؤكد زوار دول خليجية، أن لا مبادرة لعقد حوار أو مؤتمر يجمع الأفرقاء اللبنانيين لإنتاج تسوية رئاسية، حتى اللحظة، ولا إشارة الى «اتفاق دوحة» ثانٍ، بل قد تكون هناك رسالة خارجية للتعبير عن رغبة الدول في تسريع انتخاب رئيس، انطلاقاً من هدف حفظ الاستقرار.
إنطلاقاً من هذا الواقع، بات هناك اقتناع لدى جهات سياسية عدة بأنّ الأبواب الرئاسية الداخلية أُقفلت وستبقى موصدة، الّا إذا قرّر لاعب أساس أن يخرق «الستاتيكو» بطرح جديد. بالتوازي، ترى جهات معارضة، أنّ الاستحقاق الرئاسي متوقّف عملياً عند «حزب الله» لأنّه متمسك بترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية وفي الوقت نفسه ليس قادراً على التوفيق بين حليفيه المسيحيين من جهة أو الذهاب الى خيار آخر من جهةٍ ثانية. وبما أنّ ارتباط «حزب الله» بإيران عضوي واستراتيجي، وإيران على تفاعل مع دول أخرى، وبعد المشاورات واللقاءات الجانبية بين الدول المعنية بالملف اللبناني، في «مؤتمر بغداد» في الأردن، قد يكون المفتاح الرئاسي «إيراني»، بحيث ينسحب التقاطع الأميركي – الأوروبي – الإيراني الذي أنتج اتفاق الترسيم البحري على الملف الرئاسي، خصوصاً بعد موقف وزير خارجية إيران الأخير الإيجابي تجاه السعودية. لذلك قد تعمد إيران الى بعث إشارة الى «الحزب»، على غرار ما فعلت في ملف الترسيم، لكي ينفتح على البحث في مرشحين آخرين للرئاسة. وبالتالي، أمام انسداد الآفاق المحلية، تلوح إمكانية خارجية لفتح الأبواب الرئاسية عبر إيران، التي قد تستخدم الورقة الرئاسية كرسالة تعاون إيجابية للأوروبيين والأميركيين والسعوديين، عبر الطلب من «حزب الله» تسهيل انتخاب رئيس.