صبّت مواقف غالبية الأطراف السياسية في الساعات الماضية باتجاه ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية من خلال التوافق الداخلي، وعدم التعويل على الحلول الخارجية، أو حصول لقاء بين هذا الطرف وذاك، الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل حول كيفية إنتخاب الرئيس العتيد من خلال توافق الكتل النيابية، بينما ليس في الأفق أي إيجابيات تصب في هذا الإطار، إذ لكل فريق مرشحه وأجندته داخلياً وخارجياً، في حين تشير المعلومات المستقاة من جهات فاعلة، بما معناه أن ما دفع بعض القوى السياسية التي لها دورها وحضورها إلى القول، «علينا أن ننتخب الرئيس في لبنان وعدم الإتكال على الخارج».
ووفق المعلومات نفسها، أن لبنان ليس أولوية لدى المجتمع الدولي، وهذا ما تقرّ به جهة سياسية مخضرمة عائدة من الخارج ولديها صداقات وعلاقات وثيقة في العاصمة الفرنسية، إذ ترى أن ما يجري من تطورات دراماتيكية بين روسيا وأوكرانيا وتفاعل وتيرة الأعمال الميدانية، وصولاً إلى ما يجري في سوريا وإيران، تعتبر بالنسبة للأميركيين والفرنسيين من الأولويات، خصوصاً أن ثمة معلومات عن دخول هذه الحرب مراحل جديدة ونوعية بعد زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي إلى واشنطن وحصوله على دعم أميركي وأوروبي، وذلك ما خفّف من الإنطلاقة الدولية تجاه الساحة اللبنانية التي تشهد إرباكاً دولياً في ظل المعمعة الحاصلة اليوم، كما لوحظ غياب المواقف التي توالت مؤخراً ومرده الإهتمام المنصب على موسكو وكييف، فيما ينقل عن بعض الذين التقوا بالسفير دايفيد هيل خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، وصولاً إلى اتصالات جرت مع السفير دايفيد شينكر، فكلاهما أعربا عن خشيتهما من إطالة أمد الفراغ، لا بل أن شينكر يرى أن لبنان سيبقى دون رئيس لفترة طويلة إلى حين نضوج الحل في المنطقة، ومعرفة بوصلة الحرب الروسية ـ الأوكرانية وإلى أين ستصل.
وبناء على هذه المعطيات والمؤشرات، تضيف المعلومات، إن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يحظى بالدعم الدولي والتغطية لسياسة حكومته، بما في ذلك عقد جلسات مجلس الوزراء، وقد تلقى ضمانات فرنسية وأميركية بدعم حكومته في بعض الأمور الملحّة، لا سيما الصحية والتربوية وعلى الصعد الإجتماعية، تجنّباً لأي فوضى قد تجتاح لبنان ربطاً بالإنهيار الإقتصادي والإجتماعي، وبالتالي، أن الدعم الأبرز يحظى به من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يرى ضرورة أن تجتمع هذه الحكومة وتقوم بدورها بشكل طبيعي لتمرير المرحلة، رغم أنها حكومة تصريف أعمال.
وعلى خط آخر، تشير المعلومات إلى أن التسوية الرئاسية التي قيل عنها الكثير لا زال أفقها ضبابياً، ولا يستند إلى أي معطيات تشي بأنها على نار حامية، بدليل البرودة الدولية ومواقف بعض الأطراف في الداخل والخارج، وصولاً إلى أنه لم يحصل أي تقدّم أو خرق على خط العلاقات الإيرانية ـ الخليجية. وتعزو المصادر المتابعة لهذه المسألة عودة «إسرائيل» للعدوان على دمشق ومطارها بشكل عنيف، الذي يعتبر استغلالا للوقت الضائع في المنطقة، وعدم صدور أي موقف يدين هذه الأعمال العسكرية «الإسرائيلية».
فيما القلق الآخر قد يكون على لبنان من زاوية حصول اهتزازات أمنية، ليس ربطاً فقط بالوضع الإقتصادي والإجتماعي، وإنما في سياق تصفية الحسابات الدولية والإقليمية عبر رسائل أمنية ومن خلال الساحة الداخلية، بدليل ما تقوم به حكومة «إسرائيل» في الأقصى وعودة التوتر إلى غزة، والحماوة الميدانية في شمال سوريا، ولذا، فإن لبنان قد يكون الحلقة الأضعف حيال هذه التطورات السياسية والميدانية، مرفقة بانهيار لمؤسّسات الدولة ومرافقها، والتدهور المستمر على الصعد الإقتصادية والمالية، ما يعني أن الترقّب هو سيد الموقف لكيفية إنقاذ لبنان وانتخاب الرئيس العتيد من خلال تسوية قد تأتي في لحظة مؤاتية، ولكن واستطراداً يُجمع أهل السياسة في لبنان أنه ليس حتى الآن ما يوحي بأن هناك تسوية أو انتخاب رئيس للجمهورية.