إن الحراك الرئاسي الذي يدور في الخارج والداخل هو ما يصح القول فيه إنه من دون بركة، لأسباب عدة أبرزها أن ثمة مفتاحاً ضائعاً ليس في متناول أحد أن يجده فيمتلكه، في الداخل والخارج، وما بقي هذا المفتاح ضائعاً فسيبقى لبنان بعيداً عن التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
ومن الأسانيد التي يمكن الركون إليها تأكيداً على هذا الكلام المؤشرات الآتية:
أولاً – صعوبة التراجع عن المواقف المتشددة التي يأسر الأفرقاء (جميعُهم تقريباً) أنفسهم داخل أسوارها. وهذا الأسر الذاتي ليس لجهة دون أخرى، إنما هو يطاول جميع القوى الوازنة تقريباً. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن الإشارة إلى النقط الآتية:
1 – حزب الله أسير قراره ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهو لم يعتد أن يتراجع، وتجربته مع الرئيس العماد ميشال عون خير مثال… إلا أن المتغيرات (وما أكثرها) لا تزال غير مؤاتية، ولكن إخلال الحزب بوعده للزعيم الزغرتاوي ليس بالأمر السهل.
2 – رئيس حزب التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل علّق صدقيته أمام محازبيه التياريين والعونيين أيضاً على عدم المشي بفرنجية، ما أدى إلى اهتزاز علاقته بحارة حريك، وهو أسير هذا الموقف فلا يمكنه التراجع من دون تأثر صدقيته، أقله تجاه الأنصار والأصدقاء. وفي المقابل ليس في مقدوره المضي قدماً في دفع العلاقة بين ميرنا الشالوحي والحارة إلى الانهيار.
3 – الدكتور سمير جعجع بادر إلى تبني ترشيح رئيس حركة الاستقلال النائب ميشال معوض، وهو أسير هذا الموقف، وإن كان يوحي أحياناً بإمكانية التراجع عنه… إلا أن مسألة الصدقية ستطاوله أيضاً إذا ما بدّل من هذا الموقف.
4 – أما المرشحان الزغرتاويان فقد بات كل منهما أسير الترشح حتى ولو لم يكن معلَناً رسمياً ( فرنجية)، وعليه لن تكون العودة عن الترشح في مصلحة أي منهما لأنها بمثابة انتكاسة كبرى.
هذا، وسواه الكثير، يعقّد عملية البحث عن المفتاح.
ثانياً – في الخارج واشنطن العاجزة عن إنتاج رئيس لمجلس نوابها، والغارقة في مشاكل تراوح بين المواقف المتضاربة في الداخل من الإجهاض وزواج المثليين، والتحرج في الخارج من مقدار الدعم الهائل المقدم من جيوب المواطنين الأميركيين للحرب الأوكرانية التي تفوح من جثث ضحاياها روائح الحرب العالمية الثالثة، وبالتالي، فواشنطن غير مستعجلة على مشهدية مَن سيرسو مركبُه في ميناء قصر بعبدا في ضاحية بيروت الشرقية. وباريس تبحث عن مفتاحٍ لن تجده في الدوحة وقد لا تجده في الرياض وطهران، وبالذات لن تجده على حدود الضاحية الجنوبية تحت سنابك خيول ميدان السباق المجاور لقصر الصنوبر في بيروت.
باختصار، إنها «الحركة بلا بركة» التي لن توصل إلى أي نتيجة ما لم يتخلَّ الأفرقاء اللبنانيون عن أحقادهم وضغائنهم وأيضاً عن العهر السياسي عند بعضهم، إذ المطلوب رئيس للبنان كله، وليس لهذا أو لذاك أو لذلك…