مع انسداد الأفق الرئاسي أصبحت الحاجة ملحّة لصدمة رئاسية من طبيعة سياسية أو غيرها، من أجل ان تخلط الأوراق وتفرض وقائع جديدة وتدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية.
يستحيل الخروج من المأزق الرئاسي بالطرق الكلاسيكية المعهودة، لأنّ فريق الموالاة لا يريد المنازلة الديموقراطية في مجلس النواب، ولأنّ الحوار في غياب الاستعداد لتنازلات متبادلة تُفضي إلى ملاقاة في منتصف الطريق يصبح مضيعة للوقت، ولأنّ ميزان القوى البرلماني لا يسمح لأي فريق بانتخاب رئيس من صفوفه، ولأنّ الخارج لا يملك أدوات الفرض على الداخل، ولأنّ المعارضة غير مستعدة تحت أي عنوان أو ذريعة إبرام تسوية بشروط الموالاة، وبالتالي لكل هذه الأسباب وغيرها وصل الاستحقاق الرئاسي إلى الحائط المسدود.
ومن هذا المنطلق أصبحت الانتخابات الرئاسية بحاجة لصدمة تخرجها من عنق الزجاجة، وما لم تحصل هذه الصدمة فإنّ الشغور سيبقى سيِّد الموقف. ولكن يبقى السؤال عن طبيعة هذه الصدمة وكيفية حدوثها بشكل عفوي أم مفتعل، ومن الجهة التي ستدفع في هذا الاتجاه؟
وغير صحيح انّ الصدمة هي من اختصاص الفريق الممانع الذي بإمكانه إما افتعال أحداث أمنية محسوبة بهدف تسريع الانتخابات الرئاسية، وإما إعادة توحيد صفوفه على مرشح واحد، إنما من مسؤولية المعارضة ان تكون في موقع المبادر لا ردّ الفعل، وان تبحث بدورها عن كيفية افتعال صدمة تؤدي إلى تحريك الجمود الرئاسي، لأنّه من غير المقبول إبقاء المبادرة بيد «حزب الله» الذي يُمسك بعامل الوقت بانتظار اللحظة التي ينجح فيها بإعادة النائب جبران باسيل إلى بيت الطاعة، أو أن يدفع باتجاه تحريك الأوضاع الاجتماعية عندما يشعر انّ كلفة استمرار الشغور أصبحت مكلفة عليه، وفي الحالتين إبقاء الرئاسة بيد الممانعة.
وغالباً ما ينجح صاحب المبادرة في تسييل النتيجة لمصلحته، لأنّه يتحكّم بعامل الوقت وفي كيفية تحريك الأوضاع بما يخدم أهدافه الرئاسية والسياسية. كما انّه غالباً ما يدفع المتلقّي الثمن. ومن هنا أهمية ان تفكِّر المعارضة جدّياً بالخطوات التي تضع من خلالها الفريق الممانع في موقع ردّ الفعل، وبما يمكنها من تقصير أمد الشغور الرئاسي، وهذا هو الأهم على مستويين أساسيين:
المستوى الأول، انتخاب رئيس للجمهورية يمهِّد لتكليف رئيس حكومة وتأليف حكومة، فتستعيد السلطات الدستورية انتظامها والحياة السياسية حيويتها، والتحدّي الأساس يكمن في تسريع إنهاء مرحلة الشغور.
المستوى الثاني إنقاذي، حيث انّ عملية الإنقاذ ستبقى متعثرة والأزمة المالية ستراوح في حال استمر الشغور الرئاسي، والتحدّي الأساس في هذه المرحلة يكمن في فرملة الانهيار والحدّ من تداعياته وفتح باب المعالجات من أجل إعادة الوضع تدريجياً إلى ما كان عليه قبل الانهيار.
ولا مؤشرات إلى انّ الممانعة منزعجة من الشغور الرئاسي، بل تراهن على عامل الوقت الذي يسمح لها بتحقيق هدفها في المومنتم المطلوب، وبالتالي هدف المعارضة يجب ان يكون في إقلاق راحة الممانعة ودفعها إلى مغادرة تموضعها الانتظاري بحثاً عن مخارج رئاسية توافقية. ومن الأفكار الصدمات التي يمكن ان تلجأ إليها المعارضة نتوقّف أمام الأمثلة الآتية:
الصدمة الأولى، في الدعوة إلى تظاهرات شعبية أمام البرلمان، وفي حال وجود إرادة لتجنُّب الاحتكاكات، الاتفاق مع البطريرك الماروني على تحويل ساحة بكركي إلى تجمعات مفتوحة وتحويل منبرها إلى مواقف تصعيدية، فينتقل المشهد من أسبوعي فولكلوري في البرلمان، إلى يومي شعبي في بكركي.
الصدمة الثانية، في إعلان المعارضة رسمياً رفض المشاركة في جلسات الانتخاب الأسبوعية المعروفة النتيجة سلفاً، وتخيير رئاسة المجلس بين جلسات مفتوحة حتى انتخاب رئيس، او مقاطعة الجلسات.
الصدمة الثالثة، في الدعوة إلى العصيان والإقفال والتظاهر حتى انتخاب رئيس للجمهورية.
الصدمة الرابعة، في استقالة المعارضة من مجلس النواب والإعلان ان المواجهة الديموقراطية الكلاسيكية التي اعتُمدت منذ العام 2005 لم تعد مجدية، والانتقال إلى مقاطعة كل ما يمت بصلة إلى الدولة والمطالبة بمؤتمر وطني عام يعيد صياغة التفاهمات بين اللبنانيين بعدما تمّ الانقلاب على اتفاق الطائف ولم يُنفّذ بشقه السيادي.
وهذه بعض الأفكار التي يمكن ان تشكّل صدمات رئاسية-سياسية وربما تأسيسية، من أجل وضع حدّ للأزمة اللبنانية المتمادية، ومسؤولية المعارضة ان تبادر وألّا تبقى في موقع المتلقّي، وان تجازف، فلا سياسة من دون مجازفة، لأنّ الأوضاع لم تعد تُطاق وخطورتها تكمن في استمرارها وتفريغها للبنان من شعبه وشاباته وشبابه تحديداً، كون الهجرات على هذا المستوى تجاوزت الأرقام القياسية.
وقد يكون التوقيت الراهن لمبادرة المعارضة باتجاه خطوات جريئة أكثر من مؤاتٍ لثلاثة أسباب أساسية يجب استغلالها واستثمارها وعدم تفويتها:
السبب الأول، نتيجة الأزمة المالية المتفاقمة والغضب الشعبي مما آلت إليه أوضاعه، وأي دعوة من معارضة جامعة للنزول إلى الشارع او غيرها من الخطوات ستتلقفها الناس سريعاً انتقاماً من الممانعة المتحكمة وسعياً إلى إنهاء أوضاعها الشاذة.
السبب الثاني، نتيجة الخلافات الرئاسية داخل الممانعة بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، كما انّ الفريق الممانع يفتقد إلى التماسك وخرج من الانتخابات النيابية بخسائر كبرى على المستوى المسيحي والسنّي والدرزي، وتصعيد المعارضة يؤدي إلى مزيد من شرذمته لا توحيده.
السبب الثالث، نتيجة مأزومية إيران مع شعبها ومع دول الخليج والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فتستغل المعارضة هذه المأزومية لتطالب المجتمعين العربي والغربي برفع اليد الإيرانية عن لبنان، ولن تلتفت عواصم القرار إلى الوضع اللبناني سوى في حال نجحت المعارضة في توفير البيئة الحاضنة للتدخُّل الخارجي.
وهذا لا يعني انّ فريق الممانعة سيقف مكتوف الأيدي، إنما سيستعيد بالتأكيد هوايته المحببة في الاغتيالات، ولكن هذه الهواية ستسرِّع في هذا التوقيت بالذات في نهايته كما سرعّت في العام 2005 في إخراج الجيش السوري من لبنان. وما لم تبادر المعارضة سريعا فإنّها ستخسر المومنتم الحالي المثالي للتحرُّك والإقدام، بسبب السخط الشعبي وانقسام الممانعة والضُعف الإيراني.