لا جديد على الصعيد الرئاسي، وما عدا ذلك من لقاءات واتصالات ومحاولات استعراضية لتحقيق خرق ما، هو مجرّد لعب في الوقت الضائع، أو هروب إلى الأمام من اتهامات التعطيل.
لا يبدي رئيس مجلس النواب نبيه بري رغبة في استدعاء الأضواء إلى برلمان عاجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية فتتحوّل جلساته الانتخابية إلى حفلات مزايدة مملّة، عبثية، مثيرة لسخط الرأي العام وغضبه، لكنه في المقابل لن يقبل بتحميله مسؤولية التعطيل في حال اعتكف عن دعوة مجلس النواب إلى جلسة محكومة سلفاً بالفشل، ويفترض أن لا ينتظر كثيراً قبل أن يُجدول موعداً جديداً للجلسة الانتخابية، ولو أنّه على يقين، كما بقية الأفرقاء، أنّها ستكون نسخة طبق الأصل عن سابقاتها.
في الأثناء، حاول رئيس «تكتل لبنان القوي» جبران باسيل أن يملأ الفراغ ببعض اللقاءات، العلنية وغير العلنية، في محاولة منه لإقناع الرأي العام بأنّه لا يقف متفرّجاً على الشغور الحاصل، والعجز المتحكّم بمسار الرئاسة الأولى، وأنّه بريء من دم التعطيل الحاصل والمرجّح له أن يطول طالما أنّ لا مشهدية تفاهمية بادية في الأفق.
طبعاً، ما كانت حركة باسيل لتحمل طابعاً مختلفاً، لو لم يقع خلاف جذري بينه وبين «حزب الله»، حمل بالشكل عنواناً يتصل بجلسات حكومة تصريف الأعمال وبمدى دستوريتها، لكنه في العمق ينمّ عن تبدّل جوهري في سلوك «حزب الله» تجاه حليفه العوني، الأمر الذي أثار حفيظة باسيل، لا بل دفع به للخروج عن طوره لدرجة التشكيك بصدقية «الحزب» وأمينه العام ولو أنّه عاد وأوضح أنّ هذا التشكيك لا يطول الأمين العام السيد حسن نصر الله، لكن بالنتيجة هي المرّة الأولى التي يصل فيها الخلاف بين الحليفين إلى هذا الحدّ، ما اضطرّ «الحزب» إلى الردّ عبر نصرالله من خلال التأكيد أنّه لن يسحب يده من حليفه، لكنّه لن يمنع الأخير من فعلها إذا ارتأت مصلحته ذلك.
فعلياً، الخلاف أعمق من الإشكالية التي أثارتها جلسة حكومة تصريف الأعمال، وأعمق أيضاً من دعم «حزب الله» ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، لكنّ الاستحقاق الرئاسي يشكّل محطّة معقّدة في العلاقة الثنائية. بهذا المعنى، قرّر باسيل الخروج عن إجماع حلفائه بالتصويت عبر ورقة بيضاء، لتبنّي مرشح جديد، علّه بذلك يرسم لـ»تكتل لبنان القوي» مساراً متمايزاً عن حلفائه، يحميه من تهمة التعطيل أولاً، ويساعده في المقابل، على إخراج فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون من المعادلة الرئاسية إذا أمكن.
وعليه، سرت أخبار عن نيّة «تكتل لبنان القوي» مناقشة هذه المسألة خلال الاجتماع الدوري المفترض عقده يوم غدٍ الثلاثاء، بعدما صوّت العديد من نواب «التكتل» في الجلسة الانتخابية الأخيرة بورقة حملت تعبير «الميثاق الوطنيّ»، ولم تخرج إلّا قلة نادرة من نواب «التكتل» عن هذا الخيار.
في الواقع، سيدخل النواب العونيون الاجتماع وهم لا يعرفون ماذا يدور في ذهن باسيل. لم يسبق له أن فاتحهم بأي ترشيح جدّي. لا بل هو يصرّ في كلّ اجتماع على لازمتين: لا لترشيح فرنجية ولا لتبنّي ترشيح جوزاف عون. غير ذلك يؤكد أمامهم أنّه لم يطرح أي ترشيح بديل في كلّ الاجتماعات واللقاءات التي يعقدها، ولو أنّ الأخبار التي تأتيهم تشي بغير ذلك.
جلّ ما بلغهم خلال الساعات الأخيرة هو أنّه ينوي تقديم ثلاثة مشاريع ترشيحات: زياد بارود، جهاد أزعور وبيار الضاهر. على أن يتمّ اختيار أحدهم لترشيحه في الجلسة المقبلة. لماذا هؤلاء دون سواهم؟ لا جواب واضح.
الأكيد أنّ طبخة تبنّي مرشح من جانب «تكتل لبنان القوي» غير ناضجة، ودونها الكثير من المعوقات. أول تلك المعوقات هو اعتراض بعض نواب «التكتل» لا سيما العونيين على اعتراض باسيل على طرح ترشيح أحد نواب «التيار الوطنيّ الحرّ»، وهو أعاد التأكيد في مقابلته الأخيرة أنّ «في التيار يفهمون جيّداً هذا الموضوع، ولن يسمحوا بالتلاعب به. وكلّ كلام من هذا النوع ليس كلاماً جدّيّاً». والأرجح قد يسمع كلاماً مماثلاً من بعض المعترضين على طرح ترشيح أحد الثلاثي المتداولة أسماؤهم… بمعنى أنّ ترشيح هؤلاء ليس كلاماً جدياً أيضاً.
الأهم من ذلك، هو أنّ هذا الطرح لا يزال خطة من دون استراتيجة، إذ إنّ أياً من تلك الأسماء لم يحقق خرقاً لدى الكتل الأخرى سواء من جهة الثنائي الشيعي أو من جهة المعارضة، بسبب الـBLOCKAGE الحاصل والذي يحول دون ارتقاء أيّ من هؤلاء في سلّم الترشيح، ليكون ترشيح أحدهم بمثابة هروب للأمام لا أكثر ومحاولة ضعيفة للخروج من حالة المراوحة.
إذ إنّ تبني أحد هؤلاء الثلاثة، يعني الالتزام به والعمل على تسويقه وإلا يكون ترشيحه من باب حرقه، فيما لا يبدو أنّ هناك خطة متكاملة للمضيّ في أيّ من هذه الترشيحات. ولهذا قد لا يكون الخروج بالاتفاق على مرشح خلال اجتماع يوم الثلاثاء، مضموناً حتى لو طلب باسيل ذلك. ولو حصل ذلك، لا يبدو أنّ هناك رؤية واضحة لتسويق هذا المرشّح لتحقيق خرق جدي… لا بل من غير المؤكد أنّه سينال كل أصوات «التكتل».