طالب رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع رئيس مجلس النواب نبيه بري والكتل النيابية بالاقتداء بتجربة الكونغرس الأميركي في انتخاب رئيس له عبر الاستمرار في جلسات مفتوحة حتى التوصل إلى الخاتمة السعيدة. وهذا يعني الالتزام بعدم تطيير النصاب كما حصل في الجلسات النيابية العشر الماضية وكما هو متوقع للجلسة المقبلة وتلك التي ستليها إلى ما شاء الله. ويعني أيضاً التزام النواب ورئيس مجلسهم بالبقاء في قاعات المجلس حتى ظهور الدخان الأبيض كما يحصل مع الكرادلة لدى اختيارهم الحبر الأعظم.
ومثلما لاحظ جعجع معنى التجربة الأميركية، لاحظها بري أيضاً، وردة فعل أوساطه الأولية كانت تفيد بأنّ انتخاب المسؤول الأميركي لم يتم من دون حوار. سار بري في هذا التقييم نصف المسافة باتجاه مطلب جعجع ومطلب الكثير من النواب والكتل. وفي النهاية لا أحد ينكر ضرورة التشاور والحوار والمساومة من أجل انتخاب شخصية ما، وذلك ليس مشروطاً بمكان التشاور ولا بشكله، خصوصاً أنّ الدستور لا يترك مجالاً واسعاً للاجتهاد في مهمة المجلس النيابي بعد شغور منصب رئيس الجمهورية، وهي محددة بالبقاء في حالة انعقاد حتى إنجاز المهمة.
تطلّب انتخاب رئيس الكونغرس 15 جولة اقتراع، خلال 4 أيام متواصلة، وتصويت في منتصف الليل، وشبه عراك بالأيدي في مجلس الكونغرس، إلى أن تمّ انتخاب كيفن مكارثي.
مراسل BBC لشؤون أميركا الشمالية أنتوني زورتشر وصف المساومات التي تمت ضمن جدران الكابيتول فقال: «وسط مزيج من التملّق وليّ الذراع وتوجيه أصابع الاتهام، نجح (مكارثي) في إقناع ما يكفي من الجمهوريين العشرين الرافضين لدعمه، أو على الأقل عدم معارضة محاولته صراحة في الفوز… لم تكن مهمة الحصول على أصوات هؤلاء الجمهوريين المتمردين سهلة. كان على مكارثي تقديم وعود وتنازلات كبيرة تحدّ من سلطته وتزيد من نفوذ وتأثير المحافظين …».
انتهى الأمر كما بدأ داخل المجلس الأميركي، وإذا كان هناك من دروس مفيدة للمجلس اللبناني، فهي في الانخراط كلياً بعملية انتخاب الرئيس، وانخراط المرشحين صراحةً في المشاورات والاتصالات ضمن جدران ساحة النجمة، ولن يخلو الأمر من وعود ومساومات تحت سقف الحفاظ على الشرعية وإعادة بناء الدولة.
دعوة جعجع تنتظر قراراً صريحاً من بري كرئيس لمجلس النواب، وهو قرار لا يمكن أن يستمر في دائرة الخطاب التقليدي حول ضرورة التوافق قبل الذهاب إلى»تعيين» الرئيس المنتظر.