Site icon IMLebanon

«حزب الله» لن «يُحرِق» ملف الرئاسة

 

 

في الحسابات البسيطة، يمكن القول إنّ «حزب الله» لم يتخذ قراراً حاسماً في ملف رئاسة الجمهورية، أي لم يعتمد بعد مرشحاً يخوض به المعركة الرئاسية. فالنائب سليمان فرنجية هو حليفه الأفضل، ومستوى الثقة فيه عالٍ جداً، لكن الرجل ليس بالضرورة هو الأنسب لـ«الحزب» في موقع الرئاسة، حيث يُفترض أن تتوافر مستلزمات أخرى.

من النقاط الإيجابية التي يتمتع بها فرنجية، أنّه في آن معاً يحظى بثقة «الحزب» ويستطيع تحصيل الموافقة السعودية، وقد لا يكون مستبعداً إقتناع الأميركيين به. ووجود فرنجية في الموقع يمكن أن يريح «الحزب» لـ6 سنوات. وهو من حيث المبدأ يتمتع بحيثية مسيحية، وفق المعايير التقليدية التي يُحسَب حسابها في لبنان، لكونه وريثَ زعامةٍ وحفيدَ رئيسٍ للجمهورية.

 

لكن فرنجية لا يحظى بالتغطية المسيحية ما دام «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» يرفضانه في آن معاً. ولا يستطيع «الحزب» أن يمضي في تحدّي الغالبية المسيحية إلى الحدّ الأقصى وانتخاب فرنجية، لما لذلك من عواقب ستظهر حتى انتهاء ولاية الـ6 سنوات. وعلى الأرجح، ليس «الحزب» مضطراً إلى خوض مغامرة من هذا النوع.

 

فعلى الأقل، من حيث التكتيك، سيجد رئيس «التيار» جبران باسيل أنّ «مِن حقِّه» أن يسلك مساراً سياسياً متمايزاً عن «الحزب». وهو سيشعر بقدرته على توسيع هامش التحرّك خارج دائرة «تفاهم مار مخايل»، وسيكون أكثر استعداداً لمسايرة القوى المسيحية الأخرى في الكثير من الملفات، بما في ذلك خصومُه في «القوات اللبنانية». وهذا الأمر لا يريد «الحزب» أن يصل إليه.

 

وثمة مَن يقول أيضاً: بل إنّ «الحزب»، في هذه الحال، قد يجد نفسه مضطراً إلى خوض معارك صغيرة مع «التيار» في مسائل معينة، وهو أيضاً أمر لا يريده. كما أنّ لا مصلحة لـ«الحزب» في إضعاف «التيار» سياسياً، لأنّه يكون بذلك قد خسر حليفاً مسيحياً واسع القاعدة شعبياً، وساهم في تقوية خصومه السياسيين، ولاسيما «القوات اللبنانية».

 

إذاً، واقعياً، تبقى مصلحة «الحزب» في أن يحافظ على التحالف والتنسيق الكامل مع «التيار»، وأن يختار باسيل لموقع الرئاسة كما اختار الرئيس ميشال عون قبله. وبمعزل عن رغبة «الحزب» في إعطاء الأولوية لفرنجية، التزاماً منه بـ«وعد» قطعه له قبل 7 سنوات، فإنّ إعلان «حزب الله» تبنّيه لباسيل لن يتكفّل بإيصاله إلى الرئاسة حالياً، وقد يزيد المصاعب أمامه.

 

ففي الداخل، يواجه باسيل تحالفاً عريضاً ومتنوعاً طائفياً، له وزنه الراجح داخل المجلس النيابي. وفي الخارج، تواجهه اعتراضات عربية وعقوبات أميركية، على خلفية أنّ «التيار» منخرط عميقاً في نهج «حزب الله». ومن البديهي أن تزداد حدّة «الفيتوات» الخارجية على باسيل لمجرد تبنّي «الحزب» ترشيحه لموقع الرئاسة.

 

إذاً، «الحزب» بين استحالتين: استحالة اعتماد فرنجية لاعتبارات مسيحية، واستحالة اعتماد باسيل لاعتبارات داخلية وخارجية. وليس في الواجهة فعلاً سوى قائد الجيش العماد جوزف عون كخيار قادر على تحقيق الإجماع. و«الحزب» لا يرفض هذا الخيار، إذ لا مآخذ له على مواصفات الرجل. لكنه سيحاول في الدرجة الأولى إيصال رئيس للجمهورية من حلفائه الأقربين.

 

لذلك، يُبقي «حزب الله» ملف الرئاسة حالياً على نار خفيفة، بل هو أطفأ النار واقعياً، إذ لا يريد إحراق «الطبخة» بالاستعجال. ولهذا السبب، هو تراجع عن إصراره السابق على عقد جلسات لحكومة تصريف الأعمال في ظل الفراغ الرئاسي، وبات أكثر تحسباً لتداعيات استفزاز القوى المسيحية التي تُجمِع على رفض انعقاد الجلسات.

 

واستتباعاً، ينظر «الحزب» باهتمام إلى احتمالات التقاطع «تكتيكياً» بين القوى المسيحية، وتحديداً بين «التيار» و«القوات» حتى في الملف الرئاسي، إذ بدأت تخرج إلى العلن تسريبات من الطرفين تؤشر إلى أنّهما ربما في صدد تبديل النهج الحالي والتقاطع على دعم مرشح معين.

 

طبعاً، يعرف «حزب الله» حدود اللعبة الداخلية جيداً، ويدرك أنّ باسيل يريد الرئاسة لنفسه لا لأحد سواه. ولذلك، على الأرجح، لا يشغل «الحزب» بالَه كثيراً باحتمالات التفاهم بين القوى المسيحية. ومع ذلك، يهمّه أن يتجنّب «وجع الرأس» بتأجيل كل شيء إلى أن تسمح الظروف باعتماد الخيار الأفضل.

 

ففي الأساس، هو يعتمد سياسة كسب الوقت في الملفات كافة، ولا بأس باستمرار هذه السياسة ما دامت القوى الإقليمية والدولية لم تتوصل بعد إلى تسويات، ولم تحسم الاتجاه في ملف الرئاسة، وفي الملف اللبناني ككل.