شكّل كلام رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الأخير عن الإستحقاق الرئاسي بادرة يمكن البناء عليها في حال تمّ إطلاق حوار داخلي أو مسيحي أقلّه حول اسم الرئيس العتيد. وإذا كان جعجع يخوض المعركة الرئاسية بجدية منذ تبنّيه ترشيح رئيس حركة «الإستقلال» النائب ميشال معوّض وتأكيده الإستمرار بدعمه، إلا أنّ رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل ما زال يناور ويطرح لائحة أسماء غير عونية، مع معرفته المسبقة أنّ هذه اللائحة لن تنتج رئيساً وسط رفضه ترشيح أي نائب من تكتل «لبنان القوي».
لكنّ جعجع حاول كسر مناورة باسيل الأخيرة، إذ أكّد أنه ليس صحيحاً أنه يضع «فيتو» على كل اسم يطرحه باسيل، وبالتالي فإنّ جعجع أرسل رسالة إلى رئيس «التيار» مفادها أنّ الإتفاق على رئيس يكون ضمن المواصفات التي تضعها معراب وليس ضمن مواصفات باسيل وحلفائه، وأعطى المثال الأوضح وهو دعوة باسيل إلى تبنّي ترشيح ميشال معوّض.
من الصعب جداً إيجاد قواسم رئاسية مشتركة بين «القوات» و»التيار الوطني الحر»، فـ»القوات» تتمسّك برئيس سيادي وإصلاحي بينما يُفتّش باسيل عن رئيس يؤمّن إستمراريته في السلطة ويمنحه جزءاً من المكتسبات التي كانت ممنوحة له أثناء تولي العماد ميشال عون زمام رئاسة الجمهورية.
ولا يعرف احد إتجاه الإستحقاق الرئاسي، فما هو محرّم حالياً قد يصبح محللاً عند إطالة أمد الفراغ، لكنّ هناك سؤالاً جدياً يُطرح وهو: إذا حصلت معجزة وتم الإتفاق بين «القوات» و»التيار الوطني» هل يُنتج مثل هكذا إتفاق رئيساً جديداً للجمهورية كما حصل عام 2016؟
لا شكّ أنّ مثل هكذا إتفاق سيضع حكماً حق النقض على أي مرشح لا يرضى عنه الفريقان، وهذا ما حصل في أواخر عام 2015 عندما خرجت مسألة ترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية إلى العلن، يومها كان فرنجية مدعوماً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري ورئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط، و»حزب الله» لا يمانع في وصوله، وحصل على تأييد 74 نائباً لكن «الفيتو» «القواتي»- «العوني» ومساندة «حزب الله» لعون عطّلا مسألة إنتخاب فرنجية.
وتبدو ظروف 2023 مغايرة لتلك التي سبقت ظروف انتخاب عون، وبالتأكيد فإنّ وصول مرشح وسطي مدعوم من «القوات» و»التيار» أسهل بكثير من دعم «القوات» ترشيح باسيل مثلاً أو دعم «التيار» ترشيح جعجع، فالرجلان اللذان يملكان أكبر تكتلين مسيحيين يعانيان من «فيتو» مكونات الصف الآخر.
أمّا في حال اتفاقهما على مرشح وسطي مقبول، فإنّ وصول مثل هكذا مرشح يصبح مسألة سهلة لأنّ الفريق المسلم بجميع أطيافه لن يستطيع تخطي الإجماع المسيحي أو النظر إلى اتفاقهما وكأنّه لم يكن، وبالتالي عندها يصبح من الصعب طرح مرشحين جدد لأنهم سيلاقون مصير «الحرق».
لكنّ هناك أسباباً كثيرة تمنع حصول مثل هكذا تلاقٍ، وأبرزها أنّ باسيل ورغم خلافه الرئاسي الكبير مع «حزب الله» إلّا أنّه لم يفرط بهذا التفاهم بل يحاول التمايز قدر الإمكان وابتزاز «الحزب»، في حين أنّ «القوات اللبنانية» ترفع السقف عالياً في المطالب السيادية وهذا الأمر لا يتحمّله «التيار» الذي ما زال يدافع عن سلاح «حزب الله».
ومن جهة أخرى، فإنّ المشهد السياسي مغاير تماماً لعام 2016، فإذا وضع «حزب الله» وحركة «أمل» فيتو على مرشح «التيار» و»القوات» عندها لن يستطيع الفريق المسيحي إيصاله، وإذا كان جنبلاط لا يمانع بأي اسم شرط إحترام دوره وحصته، فإنّ الساحة السنية تعاني من التشرذم ومن الصعب جمعها، عكس عام 2016 عندما كان الحريري زعيماً على طائفته ودخل في تسوية إنتخاب عون وعاد إلى السراي الحكومي من هذه البوابة.
تعمل بكركي لمحاولة حصول خرق في الملف الرئاسي أقله عند القوى المسيحية لكن هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من العمل، وبالتالي فإنّ الأمور لا تزال بعيدة لأنه لا يوجد على أجندة بكركي اي إجتماع قريب بين جعجع وباسيل.