لأول مرة في تاريخ العمل السياسي في لبنان يعتصم نواب في مبنى مجلس النواب احتجاجا على عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية ويطالبون بانتخابه ويحتجون بأن اعتصامهم هذا هو حق دستوري لهم.
وللوهلة الأولى لم يستسغ بعض النواب مثل هذه الحركة واعتبروا أن اصحابها يقيمونها لإكتساب مزيد من الشعبوية في حين صفق لها البعض الآخر تأييدا وانضم قسم منهم اليهم.
من المعروف ان الإعتصام وبغض النظر عمن يقوم به هو وسيلة احتجاج ضد جسم ما للمطالبة بإنجاز امر معين ولهذا من المفترض ان يبقى المعتصم معتصما حتى ينال ما اعتصم من اجله أي من السلطة التي تمتنع عن تنفيذ موضوع الإعتصام.
في الواقع اللبناني الراهن المعتصمون هم نواب حاليون والمعتصم ضده هم زملاء لهم بحيث بدا الأمر كأنه اعتصام ضد الذات.
ومن هنا يصعب وصف الإعتصام بأنه اعتصام وهو في الحقيقة اعتراض على الذات نفسها في ظل وجود خيارات اخرى لأنه من غير المقبول ان تعتصم سلطة ضد نفسها.
انتهت ولاية رئيس الجمهورية السابق بنهاية شهر تشرين الثاني 2022 من دون ان ينتخب رئيس جديد بدلا منه،وراح النواب يجتمعون مرة في كل اسبوع فيكتمل النصاب في الجلسة الأولى وعند حلول موعد الدورة الثانية ينفقد النصاب فترجأ الجلسة وتؤجل الى الأسبوع الذي يليه بحيث بلغ عدد الجلسات احد عشرة جلسة.
ومع ان المادة 73 من الدستور تنص على ان النواب ملزمون المباشرة بانتخاب رئيس جديد للبلاد بخلال الشهرين اللذين يسبقان مباشرة نهاية ولاية الرئيس وذلك بناء لدعوة من رئيس مجلس النواب. واما في الأيام العشرة الأخيرة من المهلة الإنتخابية فإن النواب ملزمون بالإجتماع من تلقاء انفسهم اذا لم توجه اليهم الدعوة من اجل ذلك والمباشرة بانتخاب الرئيس العتيد.
واذا ما عطفنا المادة 75 من الدستور على المادة 73 منه نستنتج ان مجلس النواب ينبغي ان يكون في حالة التئام دائمة طيلة فترة العشرة ايام المشار اليها اعلاه. معنى هذا ان الدستور الذي احاط رئيس البلاد بهذه الهالة كأنه يريد القول انه ضد الفراغ في سدة الرئاسة بحيث لا تنتهي ولاية الرئيس السابق الا ولدينا رئيس جديد للجمهورية.
من هنا يكون تجمع النواب في مجلسهم هو واجب دستوري ملقى على عاتقهم ليس فقط في مدة العشرة ايام المنصوص عنها في المادة 73 من الدستور وانما في جميع الأيام التي تليها. ومن المؤكد ان هذا هو هدف المشرع الدستوري ما ورد في نص المادة 75 من الدستور التي تعتبر ان مجلس النواب وطيلة الفترة الممتدة من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس السابق ولغاية انتخاب رئيس جديد هو في حالة صمت تشريعي لأن مهمته في هذه الحقبة هي مهمة انتخابية وليست مهمة تشريعية. وهذا ما يجعلنا نؤكد ان الفترة الفاصلة يجب ان لا تزيد عن الشهرين.
هذا روح الدستور وليس نصوصه فقط ويتبين منها انه من المفترض ان يطبقه من هو مطلوب منه ذلك بحسن نية والكف عن اعتباره وجهة نظر. والكف عن اطالة امد الفراغ في سدة الرئاسة مثلما حصل في فترات سابقة،ويبقى من المفيد والضروري ان يجتمع باقي النواب والإعتصام مع المعتصمين والبقاء في هذه الحالة الى ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية للحيلولة دون مزيد من الأضرار والشلل الذي يلف جميع قطاعات الحياة في البلد.