IMLebanon

الانتخابات الرئاسية وحرق الأصابع

 

النقاش السائد على الساحة يدور حول الشروط والشروط المضادة التي تحول دون تأليف حكومة جديدة، فيما التركيز الضمني هو على الاستحقاق الرئاسي وحساباته المتشابكة والمعقّدة وهو السبب الحقيقي الذي يحول من دون ولادة الحكومة. ولكن، هذا النقاش الحكومي الدائر الآن سيبدأ بالتراجع كلما اقتربنا من 1 أيلول المقبل موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وسط دعوات خارجية للالتزام بالمهل الدستورية، والتي جاء آخرها من باريس.

وفي بداية شهر أيلول سيدعو رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. سيرمي النرد بهدف كشف الاصطفافات الحقيقية والنيّات الفعلية للقوى والكتل النيابية خصوصاً على المستوى المسيحي قبل أن يعود ويعلن تأجيل الجلسة قبل ساعات من موعدها لإنضاج ظروف انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وبخلاف «الخلط» الموجود لدى البعض بأنّ الضغط الدولي سيؤدي إلى حصول الانتخابات الرئاسية في موعدها تماماً كما حصل مع الانتخابات النيابية رغماً عن العديد من القوى الحزبية التي كانت تدفع باتجاه تأجيل موعد الانتخابات النيابية.

 

إلا أنّ حسابات وظروف ووظيفة الانتخابات الرئاسية مختلفة عن الانتخابات النيابية. فالأولى لها علاقة بالشخصية السياسية والعنوان الخارجي للدولة اللبنانية فيما النيابية لها علاقة بإعادة «دَوزنة» أحجام القوى السياسية من ضمن المعادلة الداخلية والتي لا تُنبئ بانقلابات حادة او جذرية، بل بتعديلات متأرجحة بسبب التركيبة الطائفية والمذهبية للبلاد.

 

وهو ما يعني انّ قرار رئاسة الجمهورية له تأثيرات خارجية خصوصاً وسط المتغيرات الهائلة التي تصيب الشرق الاوسط وتدفع به باتجاه معادلات جديدة.

 

وبالتالي، فإنّ حصول الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية مسألة غير محسومة لأسباب عدة ولو انّ الفراغ الرئاسي في حال حصوله لن يدوم طويلاً.

 

ومع سريان المهلة الدستورية مطلع أيلول المقبل سيبدأ الاختبار الجدي الأول لسليمان فرنجية كمرشح رئاسي، خصوصاً انه المرشح الاقوى والابرز.

 

لكنّ دائرة حظوظه لم تكتمل بعد، وثمة أسئلة اساسية ما تزال بحاجة لشيء من التمحيض.

 

اولاً: ما من شك بأنّ «حزب الله» يدعم ترشيح فرنجية وهو سيسير به إلى النهاية خصوصا انّ الحزب كان قد ساهم بسبب الظروف التي كانت سائدة إلى بإجهاض فرصتين سابقتين لدخول فرنجية إلى قصر بعبدا. الأولى عام ٢٠٠٨ حين قضت التسوية بوصول قائد الجيش ميشال سليمان، والثانية عام ٢٠١٦ حين بادرَ إلى رفض استبدال عون بفرنجية رغم ان الاخير كان قد حظي بالموافقة الدولية على ترشيحه، لكن السؤال هنا هو حول الاسلوب الذي سيعتمده «حزب الله» في دعمه لفرنجية.

 

فهل سيعلن رسمياً دعمه له ام سيُبقيه ضمنياً كما هو حاصل الآن؟

 

وهل سيذهب في معركته إلى النهاية كما فعل مع العماد عون ام انه أصبح مضطرا لانتهاج سلوك أكثر مرونة بسبب تبدل التوازنات الداخلية والخارجية؟

 

ثانياً: كيف سيكون موقف التيار الوطني الحر في ظل إشارات كثيرة بأن المصالحة التي حصلت عند امين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله بين فرنجية وباسيل لم تجعل الثاني يقبل بإنجاز تسوية رئاسية مع الأول وتبنّي ترشيحه، لا بل أكثر فإنّ المعلومات تشير إلى أنّ باسيل يعمل على البحث عن شخصية سياسية يتولى دعمها وإحراج «حزب الله» لتأمين تأييده شرط أن تكون نسخة رئاسية عن النائبين سيزار ابي خليل وندى بستاني في وزارة الطاقة.

 

ثالثاً: كيف سيجري تأمين الغطاء المسيحي المطلوب في حال استمرار موقف كتلة القوات اللبنانية الرافض، اضافة الى موقف التيار الوطني الحر؟ مع العلم ان فرنجية ليس من النوع الذي يقبل بإبرام صفقة لوصوله إلى قصر بعبدا بأي ثمن.

 

رابعاً: ما هو الموقف الحقيقي للدول الخليجية إضافة إلى باريس واشنطن من وصول فرنجية إلى قصر بعبدا؟ فدول الخليج، وخصوصا السعودية، من المفترض أن تتولى مهمة اعادة إنعاش الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي الكارثي في لبنان. وهو ما يعني ان لهذه الدول رأياً او على الاقل عدم معارضة على اسم الرئيس المقبل.

 

صحيح انّ هذه الدول كانت قد دعمت فرنجية منذ أكثر من 6 سنوات، لكن الظروف الحالية مختلفة. فالرئيس سعد الحريري الذي كان صاحب المبادرة لم يعد موجوداً في الحياة السياسية اللبنانية. أضف إلى ذلك علاقته السيئة بالسعودية. وايضاً فإنّ الظروف الاقليمية الحالية لا تشبه بشيء ظروف العام ٢٠١٦ لكن مع الإشارة إلى ورقة إقليمية لصالح فرنجية وهي ورقة علاقته القوية بالنظام السوري الذي تراهن عليه دول الخليج لِدَفعه لأخذ مسافة والابتعاد بعض الشيء عن إيران و«حزب الله».

 

وهو ما يعني انّ النرد الذي سيرميه بري لا بد أن يظهر ترشيحات مقابلة خصوصاً من قبل القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. ذلك انّ سمير جعجع لن يطرح ترشيحه، بل هو في إطار البحث عن اسم ليدعم ترشيحه، كما أنه يسعى لتعزيز موقفه الرئاسي من خلال تأمين تواصل وتفاهم مع القوى الأخرى، وهو ما بدأه مع حزب الكتائب ويعمل في اتجاهه مع المستقلين والتغييريين ولو انّ المؤشرات لا تبدو واعدة. وليس لهذه الاسباب فقط لا تبدو احتمالات انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية مرتفعة. فالتحضيرات الكبيرة على مستوى المنطقة لم تؤد بعد الى نتائج واضحة. فهنالك الزيارة المنتظرة للرئيس الاميركي الى السعودية.

 

وهذه الزيارة التي تعتبرها اوساط ديبلوماسية اميركية بأنها حدّدت كي تنجح، ستشكّل بداية حقبة شرق اوسطية جديدة على مستوى توازنات المنطقة ومعادلاتها. وكذلك هنالك الاتفاق النووي مع إيران والذي لا بد ان يجري التفاهم حوله وفق عناوين سياسية جديدة تُحاكي المعادلات الاقليمية الجديدة. وهنالك الانتخابات النصفية الاميركية والتي تُنبئ بهزيمة قاسية للحزب الديموقراطي الحاكم ما قد يجعله مُلزماً بسياسة أكثر تشدداً، والتي يميل اليها الحزب الجمهوري. وهنالك ايضا الازمات السياسية الاسرائيلية التي جعلت اسرائيل في وضع غير مستقر في مرحلة تزداد فيها الرغبة الاوروبية بالاهتمام بالساحل الشرقي للبحر المتوسط. هي كلها عناوين تطال لبنان بشكل مباشر وترفع معها من مستوى الاهتمام الدولي بالاستحقاق الرئاسي اللبناني الذي يجب أن يسبقه تفاهم سياسي للواقع اللبناني للمرحلة المقبلة.

 

ومع الدخول في مرحلة الفراغ الرئاسي تصبح ظروف ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون أقوى. ذلك انه في هذه المرحلة تصبح الولاية الرئاسية بمثابة مشروع يدفع لتأمين الاستقرار الداخلي واعادة بناء الدولة واستعادة هيبتها بما يَتجانس مع المرحلة الاقليمية الجديدة بدءاً من السعودية ووصولاً الى إيران ومروراً بالمستجدات الاوروبية. يكفي التذكير بسَعي زعماء دول للقاء العماد عون بهدف التعرّف إليه كمِثل الرئيسين الفرنسي والمصري وملك الاردن… والزيارة الحافلة الاخيرة له الى الولايات المتحدة، وهو ما لم يحدث مع اسلافه من قادة الجيش، أضف الى ذلك إدراج اليرزة كمحطة إلزامية لكبار الزوار الدوليين خلال زياراتهم الرسمية الى لبنان. وفي الوقت نفسه المحافظة على علاقة ثقة مع «حزب الله» وهو ما يترجم التدابير الامنية الناجحة في الضاحية الجنوبية وبعلبك اضافة الى الجنوب، وجاءت المبادرة المالية القطرية لتحمل رسائل سياسية ايضاً في بعض جوانبها خصوصاً انها تزامَنت مع جلسة المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران في الدوحة.

 

فالتوقيت الذي حصلت فيه لا يمكن وضعه جانباً خاصة انّ الجيش كان يعاني منذ مدة طويلة. واستنتاجاً، صحيح اننا دخلنا دائرة الاستحقاق الرئاسي، لكن ما يزال من المبكر الحسم في اي اتجاه، وسط تنافس ما بين الخيار او المشروع وهو ما يدفع بالبعض المجهول – المعلوم الى التشويش لاعتقادهم بالقدرة على حرق حظوظ أو ظروف.

 

في الواقع اللعبة أكبر كي لا تقول أخطر. وهو ما يستوجِب الحذر.