Site icon IMLebanon

أولوية الحزب… رئاسية

 

 

 

لم يتم التوقّف كثيراً أمام الموقف الذي أطلقه رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد وقال فيه “نحن نريد الشراكة معكم ولا أحد يمكنه الحكم وحده، حتى لو طال رأسه السماء، فطبيعة لبنان وتركيبته الطائفية تفرض التوافق، واذا لم نتفاهم في ما بيننا سنظلّ نعاني مشاكل اقتصادية وإنمائية وإنتاجية، وبالنسبة الى انتخاب رئيس الجمهورية فمن مصلحة الجميع التوافق عليه”.

فتح “حزب الله” ملف الانتخابات الرئاسية باكراً، فلم يكن مضطرّا للإشارة إلى هذا الاستحقاق الذي يأتي بعد الانتخابات النيابية، وحيث كل التركيز مُنصَبّ على ما يمكن ان تفرزه صناديق الاقتراع، ولكنه أصرّ على توجيه رسالة رئاسية في اتجاهين:

 

الاتجاه الأول إلى حليفيه النائب جبران باسيل والنائب السابق سليمان فرنجية اللذين جمعهما السيد حسن نصرالله لتوحيد الموقف من الاستحقاق الرئاسي أكثر منه الانتخابي بعدما أقفلت اللوائح واقتصار وضعية فرنجية على الشمال الثالثة، ولأنّ أي لقاء مُماثل بعد الانتخابات النيابية سيتم وضعه في الخانة الرئاسية، وبالتالي من الأفضل انعقاده اليوم لإبقاء مساحة من الشكوك بأبعاده، وهذا لا يعني انّ الملف الرئاسي فتح على مصراعيه في هذا اللقاء الذي يندرج في الإطار التمهيدي من أجل كسر القطيعة الشخصية أولاً، وهذا الكسر يُمهّد للبحث الصريح في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية ثانياً.

 

فالعقوبات الأميركية على باسيل وامتداداته الخارجية المأزومة وعلاقاته المقطوعة مع معظم القوى السياسية وتحميل اللبنانيين للعهد وشخص باسيل تحديداً مسؤولية أساسية بما أصابهم، وبالتالي هذه العوامل وغيرها تُعيق تَبنّيه رئاسياً، فيما ترشيح فرنجية يصطدم بعقبة انه مرشح الخطّ، اي خط الممانعة الذي أوصَل العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية ولبنان إلى الانهيار، فضلاً عن انّ هذا الفريق حكم وجُرِّب ولن يكون من السهل على “حزب الله” لاعتبارات داخلية وخارجية تبنّي ترشيح رئيس من هذا الخط نفسه.

 

وسيحاول الحزب بالتفاوض مع باسيل وفرنجية تجاوز ثلاث عقبات أساسية:

– عقبة إقناعهما بعدم الترشُّح في هذه الدورة الرئاسية، لأنّ ترشحهما يعني الدخول في الفراغ، والحزب لا يريد الفراغ خشيةً من استخدامه لجرّ لبنان إلى مؤتمر دولي.

– عقبة التفاهم معهما على تبنّي ثلاث خيارات رئاسية.

– عقبة عدم تجدُّد الخلاف والقطيعة بينهما خصوصا في هذه المرحلة التي سيُعاد فيها إنتاج السلطة وتتطلّب تقارب أبناء الصفّ الواحد لا تَباعدهما.

 

ولا شك انّ نصرالله تَقصّد توجيه من خلال هذا اللقاء ثلاث رسائل أساسية للداخل والخارج: الرسالة الأولى بأنه ضابط إيقاع القوى والشخصيات التي تنضوي ضمن خطه وقادر على توحيدها متى أراد وصَمّم على ذلك. الرسالة الثانية بأنّ المرحلة المقبلة التي قد تشهد تطورات خارجية لها علاقة بالمفاوضات النووية وبدأت تشهد اصطفافات إقليمية ستواجَه بوحدة صف المحور الممانع. والرسالة الثالثة ان الاستحقاقات الدستورية وفي طليعتها الانتخابات الرئاسية لن تكون مساحة للخلاف، إنما ستشكل تفاهماً على خوضها بالتكافل والتضامن.

 

الاتجاه الثاني إلى القوى المعارضة له بأنه لن يتبنّى رئيساً من خطه السياسي وعلى استعداد للتوافق على رئيس وسطي، ما يعني انه لن يكرِّر تجربة تَخيير الكتل البرلمانية بين عون والفراغ، وهذا ما يفسِّر عدم تبنّيه اي ترشيح رئاسي لغاية اليوم، كما يفسِّر الخلفية وراء جَمعه باسيل وفرنجية.

 

ولم يأتِ تصريح رعد من فراغ، إنما لإدراكه ثلاث حقائق أساسية:

– إستحالة ان ينتزع اي فريق أكثرية الثلثين التي تسمح له بانتخاب رئيس من دون الحاجة إلى التوافق مع الفريق الآخر.

– انّ انتخاب الرئيس يتطلّب التوافق السياسي بدليل انّ الحزب انتظر موافقة الأحزاب الأساسية على ترشيح عون قبل انتخابه.

– ان لبنان سيكون أمام ثلاث سيناريوهات: سيناريو الفراغ، وسيناريو مؤتمر خارجي كالدوحة تصدر عنه كلمة سرّ رئاسية، وسيناريو التسوية الرئاسية ولكن قبل انتهاء ولاية عون لا بعدها.

 

وعلى رغم ان “حزب الله” يخوض الانتخابات النيابية في كل جدية وسط تعبئة استثنائية وخطاب سياسي مرتفع اللهجة، إلا انّ عينه الأساسية على الانتخابات الرئاسية لثلاثة اعتبارات أساسية:

الأول: لاعتقاده انّ ميزان القوى المجلسي الحالي سيبقى على ما هو عليه.

الثاني: لقناعته انّ انتخابات 2022 لا تشبه انتخابات 2009 من زاوية ان الأخيرة كانت بين فريقي 8 و 14 آذار، ومن يربح يستطيع ان يحكم، ولكن حتى لو خسر محور “حزب الله” الأكثرية في الانتخابات المقبلة، فإنّ المحور الآخر، بالنسبة إلى الحزب، هو كناية عن محاور، ولن يتمكّن من ان يتوحّد ويجتمع ليحكم.

الثالث: لقناعته ان الانتخابات الرئاسية لا النيابية تشكّل المدخل لإعادة الانتظام إلى الدولة بانتخاب رئيس وتكليف رئيس حكومة وتأليف حكومة من خلال تسوية جزئية تُبقي القرار الاستراتيجي بيده وتمنع الانهيار وتحول دون المؤتمر الدولي.

 

ومن الواضح انّ النائب محمد رعد أراد ان يجس نبض القوى السياسية بكلامه عن استعداد حزبه للحوار في كل شيء باستثناء السلاح، وانه على استعداد للتوافق على الرئيس المقبل، ولكن لم يَلق موقفه الصدى الذي كان يرغب به بسبب اقتراب موعد الانتخابات واشتداد حماوتها، ولأنّ أحداً ليس في وارد البحث في هذا الموضوع قبل نتيجة الانتخابات، حيث من المتوقّع ان يُفتح الملف الرئاسي على مصراعيه في 16 أيار المقبل، ويتحوّل إلى صدارة الاهتمامات والأولويات، وسيكون من الصعوبة بمكان تأليف حكومة جديدة، إنما سيتم الاكتفاء بإعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي وتواصل حكومته الحالية تصريف الأعمال.

 

وإذا كانت إشارة النائب رعد الرئاسية عابرة وقصيرة ومقتضبة وكأنه أراد تهريبها، إلا انّ البطريرك الماروني بشارة الراعي يتعمّد التركيز في عظاته وخطبه ومواقفه في اتجاهين: حَثّ اللبنانيين على التصويت الكثيف في الانتخابات النيابية كمدخل إلزامي للتغيير، والتشديد على ضرورة إتمام الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية ومحذّراً من الفراغ وداعياً الى انتخاب رئيس في مطلع المهلة لا نهايتها.

 

وتختلف منطلقات فتح البطريرك للملف الرئاسي عن “حزب الله” الذي يريد ان تُطوي الانتخابات الرئاسية مرحلتي الثورة والانهيار والضغط الذي كان عرضة له، وان تُبعد شبح المؤتمر الدولي الذي يمكن ان يضع سلاح الحزب على طاولة المفاوضات والبحث، فيما منطلقات بكركي تبدأ من عامل الاستقرار السياسي الذي يُفضي إلى استقرار مالي وتحسين أوضاع الناس الجائعة والفقيرة، ولا تنتهي بهاجس الفراغ وما يمكن ان ينتج عنه من مزيد من عدم الاستقرار وصولاً إلى الفوضى، وهاجس الفراغ لدى البطريرك لا ينحصر في موقع الرئاسة الأولى، ومعلومة الجهود التي وضعها من أجل تأليف الحكومة.

 

وتأسيساً على كل ما تقدّم فإنه ما زال من الصعوبة بمكان الإجابة على التساؤلات الآتية:

أولاً: هل يمكن ان يوافق كل من باسيل وفرنجية على عدم الترشُّح، وإذا كانت استحابة الثاني لتمنّي حليفه الحزب مَضمونة، فإنه من الصعوبة ان يوافق الرئيس عون الذي كل مشروعه قائم على البقاء في القصر الجمهوري مباشرة او مداورة؟

ثانياً: هل ينجح “حزب الله” بإقناع حليفيه “التيار الوطني الحر” وتيار “المردة” بضرورة الاتفاق على مرشح ثالث؟

ثالثاً: هل ستتشكّل، في ظل غياب 14 آذار، جبهة نيابية-سياسية تقطع الطريق على مرشّح “حزب الله” الرئاسي، أم ستخوض القوى والشخصيات السيادية هذا الاستحقاق من مربّعاتها المنفصلة فيستفيد الحزب من تأمين النصاب لانتخاب مرشحه الرئاسي؟

رابعاً: هل ستخوض القوى المعارضة لـ”حزب الله” الاستحقاق الرئاسي على قاعدة الضغط للإتيان برئيس وسطي، أم سترفض التوافق مع الحزب على رئيس رفضاً لتسوية جزئية تخدمه وتنهار بعد فترة وجيزة، وتوظيف هذا الاستحقاق من أجل الدفع نحو تسوية نهائية على غرار تسوية اتفاق الطائف التي تم الانقلاب عليها؟