مجدّداً نشاهد اليوم تكراراً لتمثيليّة جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة ستنتهي كما سابقاتها بتطيير النّصاب، وسيتسلّل النوّاب هاربين لمنع استمرر توالي الجلسات حتى انتخاب رئيس للبلاد على ما ينصّ دستور الطّائف ودستور ما قبل الطّائف، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً سيظلّ انتخاب رئيس للبلاد ممنوع منعاً باتاً خصوصاً وأنّ الإيقاع العالمي ذاهب باتجاه الانشغال بهموم أخرى بينها مونديال 2022 في قطر وصولاً إلى إجازة عيديْ الميلاد ورأس السنة وكل الأحداث الأمنية والسياسيّة التي ستتوالى على شاشات العالم، لبنان في أسفل “ليستة” اهتمامات هذا العالم إن لم يكن غير موجود عليها من الأصل!
في العالم كلّه لا يوجد بلدٌ فيه هذا الكمّ من التعطيل والعُقد والاستفزاز واللؤم السياسي، ومع هذا يصرّ شعبه على العيش برغم أنف الجميع في مواجهة كلّ الظّروف، وهذه ميزة لبنانيّة فريدة من الصعب أن تجدها في مكان آخر، ومن الصّعب تجاهلها أيضاً لأنّها هي الفاعل الأوّل في تعطيل سير كلّ مخطّطات الإخضاع والتّركيع التي تمارس على هذا الشّعب، ومن المؤسف أنّ العبث السياسي الذي يعتبره بعض الفرقاء تكتيكاً في خوض معركة انتخاب رئيس للبلاد ليس أكثر من غباء متحكّم يزيد الغطرسة والإمعان في تمكين حزب الله من فرض سيطرته والنّجاح في تنفيذ مخطّطاته كلّها، وقد نجح في ذلك نجاحاً كبيراً في تدمير علاقات لبنان مع محيطه العربي بفضل اعتقاد بعض الفرقاء أنّهم قادرون على تعبئة فراغ أكبر من حجمهم بكثير، وبفضل ممارسات القيّمون عليها حديثو عهد بالدّيبلوماسيّة يجهلون أساساً حجم دولهم ويستخفّون من جهة ثانية بحجم لبنان الحقيقي وخطورة عدم استقراره على أمن المنطقة كلّها، خصوصاً وأنّ هذه الدول العربيّة لا تملك خطة واضحة لمواجهة حزب الله وغالباً التحرّك الذي تطلبه من لبنان يفوق قدرات اللبنانيين الذين أصيبوا بخيبات ومرارات متتالية سببها تجرّع لبنان مرارات التخلّي العربي والتي أوصلت لبنان إلى هذه اللحظة!
حتى اليوم، وبقوّة سلاح حزب الله لم تترك إيران في المدى المنظور أدنى فعاليّة لأيّ دورٍ عربيّ ولا فرنسي أو أوروبي ولا أميركي حتّى، وحتى تتوضّح صورة التفاوض النّووي الإيراني في فيينّا ومصير التّظاهرات الدّاعية إلى الثّورة في طهران، سنبقى نسمع الكثير من عيّنة كلام النائب محمد رعد وكلام أمين عام حزب الله، يُسمع دويّه يوميّاً في لبنان فيما يتلفّت اللبنانيّون علّهم يجدون في أرجاء العالم أيّ دولة تتحرّك فعليّاً لتخليص لبنان من براثن إيران وحزبها ويبدو هذا مستحيلاً في الأفق المنظور!
ليست المرّة الأولى ولن تكون الأخيرة أيضاً التي يستخدم فيها لبنان ساحة ضدّ العرب خصوصاً، وليست المرّة الأولى التي يجد لبنان فيها نفسه مخطوفاً مستخدماً ضدّ نفسه أوّلاً وضدّ انتمائه العربيّ ثانياً، حدث هذا مراراً منذ دستور الاستقلال الأوّل الذي كان فيه لبنان “ذو وجه عربي”، ثمّ في نصّ الطائف عندما أصبح لبنان عربيّ الهويّة والانتماء، ومنذ ذلك الوقت اختطفه فريق إلى الحضن الإيراني كان قد بدأ عمله منذ العام 1979 بدأبٍ وهدوء وصمت حتى أوصله إلى أن يكون دولة مشلولة مستتبعة للوليّ الفقيه الإيراني، وهذا واقع لا يُظنّن أحد أنّ لبنان قادرٌ على التفلّت منه إلا متى تمّ وضع حدّ لسلاح حزب الله بنزعه أو تسليمه للجيش اللبناني من ضمن استراتيجيّة دفاعية حقيقيّة لا صوريّة أو بتلقّي هذا الحزب ضربة قاصمة تقضي على مشروعه، وهو أمرٌ صعبٌ تحقّقه على الأقلّ في الوقت الرّاهن!