IMLebanon

الأجندات غير المتطابقة لكل الأطراف تُكرِّس الأزمات

 

 

الخارج عاجز عن إيجاد الحلول والداخل يُعرقل مساعي الخير

 

 

أظهرت وقائع الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية، وتعثّر تشكيل الحكومة، وترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة ومعالجة أزمة النازحين السوريين والأزمة الاقتصادية المالية وخطة التعافي المرتبطة بها وما تتطلبه من قوانين إصلاحية، ان القضايا الكبرى أو الأساسية في لبنان لا تجد حلاّ لها سوى بتدخلات خارجية، بالترغيب ومحاولة الإقناع أو بالترهيب عبر الضغوط.

وقد ظهر ذلك من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ما سبقها من اتصالات ولقاءات، شارك فيها بعض سفراء الدول المعنية بالوضع اللبناني، ومواقف مسؤولين عرب وفرنسيين وأميركيين وإيرانيين، وحتى من منظمة الأمم المتحدة خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكلها تشير الى محاولات حثيثة لترتيب البيت اللبناني الداخلي الفوضوي، خاصة بعدما ظهر المجلس النيابي الجديد على انه «بيت بمنازل كثيرة» تتقارب فيه مقاعد السكان وتتباعد سياسياً وفكرياً وتوجهاً وأهدافاً، ما يحول دون تسهيل معالجة الكثير من المشاكل، فيدخل الخارج الى البيت وقد يعيد تنظيمه بما يتلاءم ومصالح هذا الخارج بغفلة عن أهل البيت.

سمعنا خلال الفترات الماضية كلاما من مسؤولين في بعض الدول يحمل علامات الاشمئزاز والغضب من أداء المسؤولين اللبنانيين على كل المستويات، وتضمن هذا الكلام عبارات قاسية وتلويحاً بالعقوبات على معرقلي الحلول وإذا لم ينضبط «مشاغبو هذا البيت»، وفي المعلومات ان هذه الدول تتداول في ما بينها من أجل المساهمة في ابتداع الحلول أو على الأقل الأفكار التي تدفع الى إجتراح الحلول. ومن هذا الحراك اللقاءات السعودية – الفرنسية – الأميركية، التي أظهرت بعض التباينات حول طريقة التعاطي مع بعض الملفات، والكلام الصادر من الفاتيكان عن تحرك للبابا ومعاونيه تجاه الدول القادرة على مساعدة لبنان، عدا الكلام عن مسعى مصري ما زال في الظل، ومحاولة بعض الدول الأخرى كقطر الدخول أكثر الى الواقع اللبناني عبر بوابة الدعم الاقتصادي والاستثماري وتوفير فرص عمل للبنانيين.

لكن يبدو ان كل هذه المحاولات لم تصل الى نتيجتها لسببين: سبب داخلي مردّه انقسام الطبقة السياسية، لا سيما في المجلس النيابي المُحرّك لكل شيء، بين محاور شتى من الصعب أن تتفاهم نظراً للسقف العالي لمواقفها السياسية وأدائها السياسي وتباعد الأهداف والوسائل، وكذلك اختلاف نظرة دول الخارج الى كيفية المعالجة، ووضع فيتوات على تعاطيها مع بعض الأطراف الداخلية المؤثرة ورفض التواصل معها، ولو ان بعض المعلومات تفيد عن تواصل ضعيف بالواسطة مع «المغضوب عليهم» خارجياً.

في النتيجة، يظهر ان الأجندات غير المتطابقة لكل الأطراف الداخلية والخارجية تحول دون إيجاد أي حل قريب للأزمات المتوالدة كالفطر السام، فلا توافق خارجي على الملفات الساخنة في المنطقة والعالم، من الخليج الى أوكرانيا وصولاً إلى آسيا (الخلاف الأميركي – الصيني)، ولا تفاهم داخلي على تشكيل الحكومة، ولا على انتخاب رئيس للجمهورية، ولا على المعالجات الاقتصادية بشكل كامل، ولا حول عودة النازحين، ما يعني ان اختلاف الأجندات يُكرّس الأزمات بدل حلحلتها بل ربما يفاقمها…

وعليه صار الواجب ترقّب تفاهمات خارجية اقليمية ودولية تنعكس تفاهمات الحد الأدنى في الداخل لتمرير الاستحقاقات، ويبدو ان أمر هذه التفاهمات سيطول. فلا الحرب الروسية – الأوكرانية في طريقها الى النهاية، ولا أفق حتى الآن يُبشّر بحل للخلاف حول الملف النووي الإيراني، ولا حل نهائياً للأزمة السورية التي ما زالت تنعكس أضراراً بالغة على لبنان من كل النواحي، ولا الصراع الأميركي – الصيني السياسي والاقتصادي يتجه نحو التهدئة بل العكس… ولينتظر اللبنانيون الذين سلّموا أمرهم للخارج ويطالبون بالحياد!… أليس من الأفضل لهم التفاهم بعيداً عن تأثيرات وضغوط الخارج؟