يظهر بشكل كبير أن رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط وأعضاء كتلته النيابية هم الأصرح في التعبير عما يفكرون به، فمنذ اليوم الأول لاندلاع ثورة 17 تشرين دعا جنبلاط إلى إسقاط عهد الرئيس ميشال عون.
في اليومين الماضيين، وبعد اشتعال المواجهة بين “الإشتراكي” و”التيار الوطني الحرّ”، عادت الأمور إلى ما قبل التسوية الرئاسية، وكانت أرض شارع الحمرا استكمالاً للمواجهات السابقة بين جنبلاط وعون، في وقت طرح فيه النائب وائل أبو فاعور يوم السبت خلال لقاء مع تيار “المستقبل” إجراء انتخابات نيابية مبكرة ورئاسية مبكرة أيضاً، لافتاً في الوقت عينه إلى وجود عوائق كثيرة وحسابات مذهبية تعود إلى التركيبة اللبنانية قد تعوق إجراء مثل هكذا انتخابات.
مع بداية الثورة، رفع الثوار شعار “كلن يعني كلن”، وبعد سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري، اختار قسم من الشعب الإنتظار، في حين طالب القسم الآخر بالاستمرار في الثورة حتى إسقاط الرئيسين عون ونبيه بري وبقية الطبقة الفاسدة.
لكن بالعودة إلى كلام أبو فاعور، وعلى رغم وجود حراك شعبي، فإن إسقاط أي رئيس جمهورية في الشارع يحتاج إلى غطاء مسيحي أولاً، وقرار إقليمي ودولي، هذا إذا لم يقرر الإستقالة هو من تلقاء نفسه، وهذا الأمر غير وارد بالتأكيد في حالة العماد عون الذي قاتل من أجل الوصول إلى كرسي بعبدا وبالطبع لن يتخلى عنها بهذه السهولة حتى لو نزل الملايين إلى الشارع. وبالنسبة إلى موقف القوى المسيحية من استقالة عون، فبالطبع “التيار الوطني الحرّ” هو ضدّ الاستقالة وهذا الأمر لا بحث فيه حسب ما تؤكّد أوساطه، “لأن العماد عون سيبقى حتى اللحظة الأخيرة في القصر ولن يتخلى عن مسؤولياته، ويفعل كل ما بوسعه لحل الأزمة، والاستقالة ليست موجودة إلا في مخيّلة البعض الذي لا يعرف العماد جيداً”.
وأمام الموقف العوني المتصلّب بعدم الاستقالة، لا بدّ من النظر إلى موقفي “القوات اللبنانية” وبكركي، فـ”القوات” هي القوة البرلمانية الثانية مسيحياً ومعارضة لعهد عون، وبكركي هي المرجعية الروحيّة المسيحية الأولى في لبنان والشرق.
وبالنسبة إلى بكركي، فإن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لا يزال يعتبر أن الأولوية هي لإنقاذ الوضع الإقتصادي والمالي، وعدم الدخول في معارك سياسية لا يعرف أحد كيف ستنتهي، “وهذا الموقف ليس مرتبطاً بدعم شخص معين، أو مثلما يروّج البعض بأنه نصرة لفريق على حساب آخر، بل إن البلاد لا تحتمل المزيد من الفراغ وإلا سيسقط الهيكل فوق رؤوس الجميع”.
ويطالب الراعي إجراء إصلاح اقتصادي وسياسي على حدّ سواء، لكن بكركي تسأل أيضاً: “ماذا تنفع كرسي الرئاسة أو بقية الكراسي إذا لم يعد هناك أُسس للجمهورية، وبالتالي فإن كل سياسي سواء كان في سدة المسؤولية او خارجها يجب أن يتحمل مسؤولياته، فالاستقالة من الحكم لا تعني استقالةً من الوطن”.
وعلى ضفة “القوات”، فإنها تتمنى أن ينتهي عهد عون اليوم قبل الغد لأنها تعتبر أن كل الأحلام ببناء دولة قوية وعادلة سقطت نتيجة ممارسات فريقه، لكنها في المقابل تتعامل مع الأمور بواقعية ومرونة تفرضها التطورات الاقتصادية والمالية التي تعيشها البلاد. وترى “القوات” أن الأولوية الآن هي لنجاح الحكومة في تطبيق خطة إصلاحية إنقاذية من أجل وقف التدهور الحاصل والرأفة بالشعب اللبناني، وإذا لم تنجح بذلك، فعلينا الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة من أجل فرز أكثرية تؤلف حكومة اختصاصيين مستقلة وتملك خطة إنقاذية، لأن الحكومة الحالية لا ينطبق عليها صفة الاختصاصيين المستقلين على رغم وجود بعض الوزراء الجيدين.
ولا تضع “القوات” في سلّم أولويتها مسألة إسقاط عون، لأنها تعتبر أنه بعد “اتفاق الطائف” أصبح مجلس الوزراء مجتمعاً هو السلطة التنفيذية، ولم تعد الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية أو حتى رئيس الحكومة، وبالتالي من هنا تأتي المطالبة القواتية بحكومة اختصاصيين مستقلة.
والنقطة الأهم بالنسبة إلى “القوات” هي: إذا أسقطنا عون فمن هو البديل؟ وتشير إلى “أننا عشنا سنتين ونصف السنة في فراغ رئاسي قبل انتخاب عون، وترك البلاد في فراغ مماثل في هذه المرحلة يعني أننا قضينا على مؤسسات البلاد، وبالتالي من غير الممكن الإقدام على خطوة لا نعرف تردداتها مستقبلاً وإدخال البلاد في المجهول”.
ليست الخيارات السياسية الوحيدة المتحكّمة باللعبة، خصوصاً أن الشارع يباغت السياسيين، فإذا وصلنا إلى ثورة الجياع، فإن كل الخطوط الحمراء ستسقط ولن يعود هناك فرق بين المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية أو وزير أو أي مسؤول آخر.