عندما يُسأل قريبون من «حزب الله» عن أي رئيس للجمهورية يريده «الحزب»، يجيبون بمزاح: «سرّ». إلّا أنّ هذا المزاح يحمل في طياته كثيراً من الجدية والدلالة الى أنّ «حزب الله» لن يتهاون في معركة الرئاسة بكشف أوراقه باكراً، فهو في مرحلة استكشاف أوراق الآخرين من أفرقاء لبنانيين وجهات خارجية لاعبة في هذا الاستحقاق، بالتوازي مع تطبيق خطته الرئاسية، والتي يريد في نهايتها، كما يقول، الوصول الى رئيس تسووي، إذ إنّه مع تسوية داخلية على المستوى الرئاسي. ولا يزال «الحزب» يرى أنّ رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية يتمتع بحظوظ رئاسية، ولذلك لم «يحرق» اسمه في جلسة الانتخاب الأولى، فحتى نجل رئيس «المرده» النائب طوني فرنجية لم يصوّت له بل كان من ضمن النواب الـ63 الذين اقترعوا بورقة بيضاء، ضمن اللعبة التي أدارها «حزب الله»، والتي تقضي بمعرفة توجهات الآخرين من سياديين وتغييريين، وتوحيد تصويت نواب محور «الممانعة» لكشف حجمه النيابي كـ»انطلاقة» من دون تأمين أصوات إضافية لمرشحٍ ما، وفي ذلك رسالة الى الداخل والخارج على حدٍّ سواء، للقول بوضوح: «هذا حجمنا، والتعطيل في يدنا، ولا يُمكن تخطينا رئاسياً».
رسالة «حزب الله» هذه أكدها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد رفع الجلسة، مشدداً على «التوافق» رئاسياً ولإنقاذ لبنان. وبالتالي إنّ «الثنائي الشيعي»، وتحديداً «حزب الله»، يدعو الى تسوية رئاسية داخلية، ومستعدّ كما يقول، للتوافق على رئيس، ويعتبر أنّ الرئيس التسووي هو المقبول من أكثرية القوى، غير استفزازي، يحضّر لتسوية داخلية، ولا فيتو عليه من أي طرف أساسي، فيما أنّ هذه المواصفات لا تنطبق على حليفيه المسيحيين، فرنجية ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل. وبالتالي إمّا أنّ «الحزب» سيلعب ورقة فرنجية في جلسة الانتخاب التالية، كمرشح مواجهة في وجه مرشح المعارضة، ليُصار بعدها الى تسوية تأتي برئيس آخر، وإمّا أنّه يمنّي النفس بإقناع أطراف أساسيين بتأييد فرنجية، وتحديداً باسيل ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وبعض النواب السُنة، وعندها يؤمّن الميثاقية الطائفية له، ولا تعود معارضة حزب «القوات اللبنانية» والأفرقاء المسيحيين الآخرين لفرنجية حجر عثرة أمام وصوله الى الرئاسة الأولى، خصوصاً إذا أخذت الأوضاع الإقليمية والدولية منحى تسووياً أيضاً، أو حصل توافق بين الدول المؤثرة في الاستحقاق الرئاسي، على إعطاء الضوء الأخضر لتسوية داخلية والقبول بالرئيس الذي تنتجه.
لكن معركة «حزب الله» الرئاسية ليست «نزهة»، فصحيح أنّه يمكنه مع حلفائه أن يعطّل النصاب على غرار ما فعل الخميس الفائت، إلّا أنّ المعارضة بدورها يمكنها التعطيل أيضاً. كذلك لم يصل «الحزب» بعد الى جَمْع حلفائه على مرشحٍ واحد، ولكي يتمكّن من ذلك عليه أن يقدّم مغريات ومكاسب عدة، خصوصاً لباسيل، إذ إنّ حاجته الى غطاء حليفه المسيحي إن رئاسياً أو على المستوى السياسي العام، لم تنتفِ بعد.
الى ذلك، اكتشف «الحزب» قدرة المعارضة في جلسة الانتخاب الأولى، فكان الافتتاح برقمٍ غير قليل، وهذا ما حدا بـ»الثنائي الشيعي» الى تطيير نصاب الدورة الانتخابية الثانية، إذ إنّ المرشح النائب ميشال معوض الذي حصل على غالبية الأصوات ومجموعها 36 صوتاً، كان يمكن أن يحظى بتصويت أكثر من 50 نائباً في الدورة الثانية، ما يعزّز حظوظه. لكن على رغم أنّ المعارضة السيادية مستمرّة في ترشيح معوض، مع سعيها الى تأمين أصوات إضافية له، ترى جهاتٍ عدة أنّ التركيبة اللبنانية لا تسمح بوصول معوض، المستفز لـ»حزب الله»، إلّا أنّه مع ذلك، سيحسّن شروط المعارضة أقلّه، بعد أن فرضت وجودها رئاسياً بمرشح قد تتوحد على اسمه كلّ مكوناتها، ما قد يوصل بالحد الأدنى الى مرشح تسووي غير قريب من «الحزب».
وبالتالي، تتركز الخطوة التالية في معركة المعارضة السيادية على تكثيف الاتصالات والحوار مع نواب «التغيير»، لإقناعهم بالعدول عن رفضهم لمعوض، إنطلاقاً من أنّه المرشح الذي نال أكبر عدد من أصوات نواب المعارضة. وفي حين لا يُمكن ضمان أصوات نواب «التغيير» ولا حتى «اللقاء الديموقراطي» إذ إنّ تاريخ جنبلاط يدلّ الى «سيره» مع تيار أي تسوية، إلّا أنّ «القوات» وحزب «الكتائب اللبنانية» ونواباً مستقلّين يعوّلون على الوصول الى توحيد الموقف لجهة تبنّي كلّ مكونات المعارضة ترشيح معوض، ويؤكدون خوض المعركة حتى النهاية.
البعض يعتبر أنّ المعارضة تخوض مواجهة خاسرة، وعليها اختصار الوقت، وفتح حوار مع «حزب الله» للوصول الى رئيس تسووي، إلّا أنّ «القوات» ترفض هذه النظرية، وتشدّد على أنّ المرشح التسووي المطلوب هو الذي يحوز على صفتي السيادة والإصلاح، وخلاف ذلك لن تدخل في أي تسوية. كذلك لا ترى «القوات» أنّ الباب مُقفل أمام توحيد المعارضة، معولةً على التأييد الذي ناله معوض من المعارضة السيادية، وعلى أنّها بالحوار والنقاش يمكن أن تصل الى نتيجة مع نواب «التغيير». هذه المواقف، وبمعزل عن واقعية أي منها، تدلّ الى أنّ المعركة الرئاسية مفتوحة على كلّ الاحتمالات ربطاً بالاتفاقات الداخلية ووضع البلد والمتغيرات الإقليمية – الدولية، وقد لا تنتهي إلّا بعد فراغٍ مرتبط بدوره بالأحداث المحلية والخارجية، قد يُخرج الاستحقاق نهائياً من أيدي اللبنانيين ويحصره في أيدي «الكبار».