Site icon IMLebanon

بين تشرين وتشرين «حرائق» بالجملة

 

 

ستخضع الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس التي عُقدت أمس الاول الخميس لكثير من التدقيق. وهي عملية وضعت على نار حامية، تجاوزت الأرقام التي انتهت اليها، لتشمل قراءة موازين القوى وفرزها بين ما هو «حديدي»، وتلك التي اهتزت او انّها معرّضة لذلك. وكل ذلك يجري مع دخول البلاد الشهر الأخير من العهد، وما يحمله من استحقاقات كبرى، ما يسمح باحتمال وقوع حرائق بالجملة. وعليه ما هي المؤشرات الدالة؟

سال وسيسيل حبر كثير عند قراءة النتائج التي أفضت اليها «البروفا» الرئاسية التي انتهت اليها الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس بكل المعايير التي تستحقها. فالقراءات السطحية وحدها تقف عند بعض الأرقام التي انتهت اليها. فما بين القول انّ قوى «المنظومة الحاكمة» قد سجّلت رقمها الأعلى بانضباط منقطع النظير، عندما وجدت 63 ورقة بيضاء في صندوقة الاقتراع من جهة، والقول إنّ قوى المعارضة والتغييريين عبّروا عن حال من الفوضى والتشتت على الرغم من الرقم العالي الذي حظي به ميشال رينه معوض من جهة اخرى، مسافات شاسعة تقود إليها القراءة الأكثر عمقاً، إن توسع الباحثون عمّا جرى في المرحلة التي سبقتها وتلك التي رافقت انعقادها، وصولاً إلى غرف ساحة النجمة التي بقيت مفتوحة على أكثر من سيناريو واقتراح حتى اللحظات الاخيرة منعاً لأي دعسة ناقصة.

فقبل ساعات قليلة من الدخول إلى القاعة العامة، تبدّلت الاجواء نهائياً، وخصوصاً تلك التي كانت توحي باحتمال تكرار سيناريو جلسات الإنتخاب التي شهدها المجلس وامتدت من 24 ايار 2014 إلى 31 تشرين الأول 2016 ما بين الرئيس ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وما رافقها من مواجهة كان يمكن ان تتكرّر أمس الاول بين كل من المرشح سليمان فرنجية وابن مدينته ميشال معوض او أي مرشح آخر. فقد كان ذلك متوقعاً قبل ان تستوي الطبخة بين أحزاب السلطة التي التقت في مرحلتها الاولى على ضرورة ان يغيب إسم فرنجية عن صندوقة الاقتراع، ومنع اي مواجهة محتملة مع أي كان من اليوم بكل الوسائل المتاحة. فليس مسموحاً ارتكاب أي خطأ يمكن ان يعطيه رقماً لا يتناسب وما يستحقه من اصوات في أولى الجلسات الانتخابية. فقرار الثنائي الشيعي كان واضحاً بعدم الخوض في صلب الاستحقاق من اليوم. والسبب المباشر، أنّ المشاورات التي قادها «حزب الله» لم تنته إلى ما تريده قيادته من اجل ترميم العلاقات بين التيارين الأخضر والبرتقالي، على الرغم من الجهود التي بذلها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله منذ فترة أعقبت الانتخابات النيابية.

فقد كان من المؤمل ان تقود هذه المصالحة التي جُنّدت لها كل الطاقات، إلى استكمال البحث عمّا يؤدي إلى تكوين الاكثرية النيابية بميزان الجوهرجي، كتلك التي انتهت اليها انتخابات رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن بعده نائبه الياس بوصعب، وصولاً إلى تلك «الهندسة النيابية المعقّدة» التي أبعدت من أُريد إبعاده من النواب التغييريين عن رؤساء اللجان ومقرّريها، وبغية الوصول إلى النصف زائداً واحداً، متى استحقت الخطوة المؤدية إلى هذه المرحلة في توقيت دقيق قد يكون محتملاً إن نجحت الاتصالات الخفية في استقطاب كتلة نيابية بحجم «الوسط»، تُضاف أصواتها الى مجموعة من النواب المستقلين، للفوز بالموقع الاول في اي وقت يمكن ان تنتهي اليه مجموعة الصفقات الداخلية والخارجية.

واستناداً إلى هذه المعطيات، فقد تركّزت الاتصالات على معرفة ما جرى قبل الاستناد إلى أرقام الجلسة الانتخابية، لتبرز طريقة التعاطي مع القوى التي ترجمتها أوراقاً في صندوقة الإقتراع، وهي عملية أبرزت من اللحظة الأولى أنّه لا يمكن الإستناد اليها في أي توقعات مقبلة. وانّ الرهان يجب ان يقود إلى التركيز على جوانب أخرى. فلا الرقم 63 يمكن ان يتكرّر في أي جلسة أخرى بهذا الحجم، ذلك انّ من التقوا على اعتماد الورقة البيضاء لن يكونوا موحّدين على الأقل حتى اليوم في أي خطوة مقبلة. فمن نافل القول إنّه ليس من بينها «مجموعة جديدة» من غير الثنائي الشيعي .

كما انّ التشتت الحاصل الذي وزع بقية الأوراق بين ورقة «لبنان» وبقية المرشحين من ميشال معوض إلى سليم اده و»نهج الرئيس رشيد كرامي» و»مهسا أميني» التي فجّرت «ثورة الحجاب في إيران» لن تتكرّر مرة أخرى. إلّا أنّها أوحت بنوع من «السعدنة» التي مارسها البعض، وخصوصاً أولئك الذين وُضعوا على لائحة «أحصنة طروادة» في صفوف المعارضة والتغييريين الباحثين عن أدوار وهمية، ولم يتردّدوا في تبرير عدم انتظامهم خلف مرشح واحد نال اكثرية اصواتهم، بأنّ الجلسة لن تكون حاسمة ولن تنتج رئيساً للجمهورية، فلماذا الاستعجال في تأكيد مثل هذا التضامن الذي كان مطلوباً في جلسة الخميس الماضي؟

واياً كانت هويات المنتخبين بانتماءاتهم الحزبية والسياسية والطائفية، فقد عكست القراءة المعمّقة ضرورة تجاهل كل ما شهدته الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس، وانّ الاستناد اليها في توقّع ما يمكن ان تنتهي اليه عملية الانتخاب، ضرب من الخيال ينقصه كثير ليُبنى عليه من وقائع. وإنّ من الأجدى التركيز على ما يمكن ان تحمله الفترة المتبقية من المهلة الدستورية التي ستحمل على ما يبدو كثيراً من الاستحقاقات المهمّة، ليس على المستوى الحكومي فحسب إن ولدت الحكومة الجديدة. ذلك أنّه شهر الانهيارات المالية استناداً إلى لعبة سعر صرف الدولار الاميركي الذي اقترب من الـ40 ألفاً. وما هو منتظر عند ترجمة القرارات الاخيرة التي تلت البت بالموازنة العامة و»الدولار الجمركي»، وتحديداً بالنسبة إلى رفع سعر «اللولار الأميركي» من 1500 ليرة الى 15 الفاً، والذي ستكرّسه مجموعة من التعاميم المصرفية المتوقعة بالتنسيق بين وزارة المال ومصرف لبنان، استناداً إلى ما يقول به قانون النقد والتسليف.

على هذه الخلفيات، نصحت المراجع العليمة بضرورة توقّع اي شيء في هذه الفترة القريبة. فالتطورات قد تتبدّل بين يوم وآخر وربما بين ساعة وأخرى. فإحياء الحديث عن التشكيلة الحكومية دونه عقبات صعبة ومعقّدة، لا يُعرف كيف ستكون نهايتها بانكسار أحد الطرفين. وعملية تدوير الزوايا لم تعد واردة في ظلّ الإجتهادات الدستورية التي تعطي الحكومة الحالية حق ممارسة صلاحيات الرئيس. وكل ذلك يجري على وقع ما يمكن ان تنتهي اليه مفاوضات الترسيم البحري، بعد وصول ورقة الموفد الاميركي الى مفاوضات الناقورة عاموس هوكشتاين إلى لبنان، والتي قد تعكس حجم التدخّلات الدولية التي ستتجاوز بالتأكيد الإرادة اللبنانية المشتتة بين الملفات المعقّدة، بما يوحي بعجزهم عن المواجهة، لتفتح الأعين على شهر ملتهب. فلننتظر أيامه وساعاته الطويلة.