IMLebanon

هل أصبح الشغور «تقليداً» في كل عهد؟

 

 

 

كل المؤشرات تُرجِّح ذهاب لبنان إلى شغور جديد في منصب رئاسة الجمهورية، سيكون هو الثالث من نوعه في ثلاثة عهود متوالية: العهد الممدد للرئيس أميل لحود، وعهد الرئيس ميشال سليمان الذي إستلم الرئاسة وقصر بعبدا شاغراً من السلف، وعهد الرئيس ميشال عون الذي وصل إلى القصر الرئاسي بعد سنتين ونصف من الشغور، إستغلها المدير العام للقصر الجمهوري إنطوان شقير في ترميم بعض مرافق المقر، وتجديد طلاء الأبواب والحيطان!

وتخشى مرجعيات روحية وقيادات مسيحية أن يتحول الفراغ الرئاسي إلى «تقليد» يتكرر في نهاية كل عهد، الأمر الذي من شأنه أن يُضعف موقع المركز الأول للطائفة المارونية في السلطة، ويُفاقم الخلل في المعادلة الداخلية، التي تشكو من علّة عدم التوازن، بسبب هيمنة حزب الله على مقدرات قرارات الحكم ومفاصله الأساسية، على حساب دور ومكانة الشركاء الآخرين في الوطن.

وقائع الجلسة الإنتخابية الأولى تعزز هواجس الخائفين على دور رئيس الجمهورية، لأن الإنقسامات العامودية لم تقتصر على المربعات السياسية، بل زادتها تعقيداً الصراعات المارونية ــ المارونية، والتنافسات الشخصية بين رئيسي أكبر حزبين مسيحيين، مما ساعد، إضافة إلى عوامل أخرى طبعاً، على تطيير فرصة إنتخاب الرئيس العتيد من الجلسة الأولى.

وإذا كانت التنافسات بين الأحزاب المسيحية قديمة، ومستمرة منذ ما قبل العهود الإستقلالية، فإن التباينات التي ظهرت بين القوى السيادية، على إختلاف مسمياتها الحزبية والسياسية، جددت الصدمات السابقة بمستوى أداء الأطراف المعارضة، التي لم تستطع توحيد مواقفها، ولا حتى التنسيق في ما بينها، في إطار تكتيكات معينة، لتوظيف أكثريتها العددية في إيصال مرشحها، وتحقيق أهدافها في التغيير والتحديث، وإسقاط المنظومة السياسية الفاسدة والفاشلة.

بوادر الصدمة ظهرت في غياب أربعة هل نواب محسوبين على الأطراف المعارضة، مما يعني أن تلك الأطراف لم تتعامل مع الجلسة الإنتخابية بما تستحق من إعداد جدّي لتأكيد رفضها لإحتمالات الشغور على الأقل. وجاء إصرار نواب التغيير على التفرُّد بطرح إسم سليم إده، وهو الرافض أصلاً للخوض في هذا الغِمار، كما ورد في بيانه لاحقاً، ليؤكد أن هذه المجموعة لم تُتقن بعد اللعبة الديموقراطية، ويتصرف بعض نوابها بصلف وغرور، أين منهما الإقطاع السياسي، الذي يدّعون محاربته.

لقد جرت العادة في الممارسة الديموقراطية، وخاصة في المفاصل الرئيسية، مثل الإنتخابات الرئاسية، أن يصار إلى إعتماد البوانتاج كأسلوب لحسم التباينات عندما تتعدد الخيارات مع تعدد المرشحين. أما أن يبقى كل فريق متمسكاً بخياراته بغض النظر عن إمكانية الفشل الأكيد، فهذا يدل على عناد فارغ يفتقد أصحابه للحد الأدنى من الروح الديموقراطية.

لقد كان الرئيس نبيه برّي بارعاً في الإعلان عن الذهاب إلى الشغور الرئاسي، عندما أكد في نهاية الجلسة الأولى بأنه لن يدعو إلى جلسة أخرى قبل تحقيق التوافق.

وهو أدرى الناس، بحنكته وخبرته، بأن لا توافقات داخلية دون إتفاقات خارجية، دولية ــ إقليمية، وإقليمية ــ إقليمية، تلك الخطوات التي تنتظر الإتفاق النووي الإيراني مع اميركا والدول الغربية، وما ستؤول إليه العلاقات السعودية ــ الإيرانية، بعد فترة مريرة من الصراع بين المحورين، بسبب التدخلات الإيرانية في أكثر من دولة عربية، من اليمن إلى لبنان، مروراً طبعاً بسوريا والعراق.

تجربة الإتفاق الإيراني ــ الأميركي في عهد باراك أوباما عام ٢٠١٦ أفرجت عن الإنتخابات الرئاسية في لبنان، ورجحت منطق الغَلَبة لفريق الممانعة الإيراني على الفريق السّيادي، الذي كان يُعاني أصلاً من إشكالات ومشاكل في العلاقات بين أطرافه الرئيسيين، الذين أيّدوا، في غفلة من الزمن، وصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة الأولى.

ومثل هذا المشهد مرشح للتكرار، في حال تهاونت الإدارة الأميركية الحالية مع الجانب الإيراني، كما فعل أوباما، خاصة في حال بقيت قوى المعارضة السيادية، من أحزاب ومستقلين وتغييريين، على إنقساماتهم الحالية، فيما فريق ٨ آذار يبدو أكثر تماسكاً، عندما تدق ساعة الحسم.

ترجيح كفة الشغور الرئاسي بعد خروج العماد عون من بعبدا، يفرض على الأطراف السياسية، وخاصة فريق العهد وتياره السياسي، أن يستعجلوا في طوي صفحة الشروط والعقبات التي عطلت تعويم الحكومة المستقيلة حتى اليوم، ليتسنى إيجاد وضعية دستورية للسلطة تُمكنها من متابعة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والإستمرار في السعي لمعالجة فضيحة العتمة، والعمل على تأمين التيار الكهربائي ولو لساعات معدودات في اليوم، فضلاً عن إتخاذ القرارات الإصلاحية التي طال إنتظارها من المجتمع الدولي، وإشتراط الدول الخليجية وضع البلد على سكة الإنقاذ والإصلاح، خاصة بعد إعلان السعودية أنها لن تتعامل مع رموز الفساد، والسياسيين الفاسدين في حال مشاركتهم في العهد الجديد.

وإذا كان من الصعوبة بمكان أن يكون رئيس الجمهورية من «صنع لبنان»، فإن تعويم حكومة تصريف الأعمال يبقى مطلباً خارجياً، وضرورة داخلية، لتمرير هذه المرحلة البالغة التعقيد، بأقل قدر ممكن من المعاناة التي تقهر الشعب اللبناني هذه الأيام.