IMLebanon

عبثاً تحاولون البحث عن رئيس في هذه المعمعة القاتلة

 

 

 

علم السياسة أيُّها السّادة ليس بعلم طارئ مُستجِّدْ بل هو فكر ينطلق من العقل والتحليل السليم والقانون والعدل والحاكم الصالح والإنسان أي المواطن الحر السعيد. هذه المبادئ هي جوهر العلوم السياسية، تطلّعاتنا إلى العدالة والحرية والمساواة والسلام العالمي تطلّعات مُحقّة وتوصيفنا للأزمة الحالية في لبنان ينبعث من معاناة شعب أهلكته المصالح الخاصة وعجزت القيادات الزمنية والروحية عن إيجاد مخرج لائق وموضوعي وقانوني – دستوري للأزمة الحالية، إنطلاقاً من الواقع والوقائع ومن التجربة والتجارب الفاشلة في سبيل تجسيم تطلّعات شعب عانى ويُعاني من النظام ومن سلوكية رجال السياسة ورجال الدين المؤتمنين على شعوبهم.

 

عملياً وبعد العديد من التجارب التي مررنا بها وإنطلاقاً من إختصاصنا في العلوم السياسية وإستناداً إلى نشاطنا السياسي المُمارس منذ العام 1978 ولغاية تاريخه وبالرغم من المصاعب التي مرّتْ علينا ومن الظروف القاهرة التي واجهتنا، ومن وعود معسولة قدّمها في حينه من اعتبرناهم «أقطاب سياسيين» لم نلقَ أي إرتياح لِما آلتْ إليه أوضاعنا العامة في البلاد لا بل صادفتنا مجموعة سياسيين دجّالين، مصلحجيين، منافقين، بائعي وعود، تجّار بشر ووطن، وهذا الأمر ينطبق للأسف على كل من صادفناهم وتعاونّا معهم سابقاً وحاضراً…

إنطلاقاً ممّا نصادفه يومياً نعم نُشكِّك في قدرة هؤلاء «تجار السياسة» على إحداث خرق في الواقع الوطني والأزمة المتراكمة فصولاً وأحداثاً وكان آخرها «ترسيم الحدود»، أو على قدرة هذه الزمرة في تحسين أوضاع اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً من هذا القعر طالما لا تتوافر خطة عمل وآليات تنفيذية، وطالما أنّ القادة الروحيين ما زالوا متمسّكين بهؤلاء التُجّار لأقصى حد وحتى لا يجرأون على مواجهتهم… ولا يُمكن السكوت أو التغاضي عن هذا السكوت المجحف والاستمرار في سياسة التبعية وإنتهاج سياسة الترقيع والكذب والرياء والتهرُّبْ من المسؤولية. الأنكى من كل ذلك نرى أنّ هؤلاء القادة الروحيين يتذمّرون من الأداء السياسي الحالي ولكنهم يستقبلون ويوّدعون هؤلاء بكل طيبة خاطـــر وكأنو «مش عائصن برغوت» عفوا لقد طفح الكيل.

لا يُمكننا التقليل من الواقع السياسي – الأمني – الاقتصادي – المالي – الاجتماعي – المعيشي القائم وهذا من شأنه تذويب الجمهورية في الدويلة القائمة حالياً والتي يتغاضى عن نشأتها وتطورها كل القيّمين سواء أكانوا لبنانيين أو عرب أو مجتمع دولي والسبب في ذلك الأمر الأداء السيئ لكل من يتعاطون الشأن العام. نحن في أدق ظرف سياسي خطير وعلينا مقاربة الأوضاع بشكل علمي حيث لم يَعُدْ جائزاً الإكتفاء باجتماعات من هنا وهناك دونما إيجاد حلول ولم يَعُدْ مقبولاً أن ينضم إلى لجان معينة أشخاص غير كفؤين وغير مُلمين بالأوضاع العامة في البلاد لا بل إنّ بعض اللجان تضم أشخاص يتلوّنون ويُسايرون ويُساومون ويتراخون ويتبدّلون والمؤسف أننا نشاهدهم في طليعة اللجان لا بل مقرريها، وكأني بالذين عيّنوهم يُدركون تفاصيل المؤامرة ويتغاضون عن خطورتها وهم للأسف وكلاء لتنفيذ هذه المؤامرة وإلاّ كيف يُفسّرون ويُبرّرون هذا الأمر على مستوى التسمية والأداء الفاشل في ظرف أقل ما يُقال عنه أنه من أخطر الظروف التي تمُّرْ على البلاد.

نحن يا سادة في توقيت دقيق وحسّاس على المستوى اللبناني والإقليمي والدولي وفي عـــز إحتدام الأزمات والصراعات الإقليمية التي يتقدّم فيها وطفا على سطحها أمران وهما التخلّي الطوعي عن السيادة الوطنية من قبل من يُمارسون السلطة في لبنان، والأمر الثاني الصراع الطائفي والمذهبي المشتعل في لبنان. إنّ لبنان يُعاني أكثر من غيره من هذين الصراعين وبات في عين العاصفة وفي قلب أزمة وجودية. من هنا إنّ أهمية طرح مبادرة إنقاذية ترسم وتحدّدْ الإطار الوطني السليم والصحيح لموقف كل من القيادات الروحية المسيحية والإسلامية ودورهم في هذه المرحلة حيث لا يُمكِن لأي لبناني أن يكون مُلحقاً أو فريقاً مع هذا أو ذاك، وإنما أن يؤدّي دور القائد المعطوف على التفاعل الإيجابي. في الشكل نُلاحظ أنّ كل التحركات تَصُّب في خانة الإنكفاء والإنعزال والتقوقع وعدم تحمُّل المسؤولية وهذه أمور يجب وقفها وإتخاذ زمام المبادرة حيث لا تكفي المحاضرات والعظات والإجتماعات والزيارات واللقاءات ولا تُعطي ثمارها والدليل الساطع ما نمرّ فيه.

نحن بحاجة إلى هيئة وطنية تأخذ الأمور بجدّية وتُعيد لكل طائفة ومذهب حضورها الرائد في لبنان، وليس جائزاً أنْ تُسيطر طائفة على أخرى، لا بل ليس جائزاً أنْ نقع تحت وطأة الاتفاقات الثنائية التي تُلغي الآخر. نريد هيئة تتصف بالعلم والمحبة والإخلاص وتدرك خطورة الأوضاع العامة في البلاد، ولا تكتفي بتوصيف المشكلة على ما هو حاصل اليوم والشكوى والتذمُّر وإنما تتوخى تحديد العلاج ووضع نقاط الحل على أسباب الأزمة. نريد هيئة سياسية فاعلة لا على شاكلة الهيئات واللجان الموجودة حالياً. هيئة بإمكانها المُطالبة بتطبيق القرارات الدولية ولا سيّما القرارين 1559 و1701، وعن صلاحيات رئيس الجمهورية وتعزيزها، هيئة سياسية تعمل على تطبيق: الحياد الإيجابي وتحييد لبنان عن الصراعات والمحاور الإقليمية، والعودة إلى جذور الميثاق الوطني، وحصرية القوى العسكرية في يد السلطة الشرعية تطبيقاً لقانون الدفاع الوطني، وتطبيق المناصفة الفعلية التي هي بخطر وجودي حيث لا يتجرأ أحد من القادة على مقاربتها…

 

عبثاً يا سادة تفتِّشون عن قادة يؤتمنون على ما ذكرناه، كل الذين يتعاطون السياسة اليوم مُلحقين لا طاقة لديهم على إيجاد المخارج اللائقة، وعبثاً تُطالبونهم بتشكيل حكومة أو بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية. إنكم بهذه الحالة، حالة المُطالبة، كأنكم أعطيتم الشعب سلّة قش وتُطالبونهم بتعبئتها بالمياه… إنّ ما نقوله ونوّصفه هو بمثابة نداء نابع من القلب ويمكن اعتبار المضمون خطة إنقاذ طارئة واعتمادها ورقة عمل لإيجاد مخرج لائق للأزمة اللبنانية وحذار عدم الأخذ بعين الاعتبار ملاحظاتنا وهواجسنا…

 

* كاتب وباحث سياسي