“الاعتدال الوطني” يخذل جعجع : نريد شخصيّة حواريّة.. والأخير يردّ : “بيسوى تكون مواجهة” فنعمل لرفع ال 40 ل 50 !
“المسرحية الاولى” التي خرجت بها اولى جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية منذ نحو اسبوع لم تكن مفاجئة لاحد، فالجميع كان يعلم بان لا رئيس سينتخب، ولا توافق من الاساس على اي اسم او مرشح، حتى رئيس مجلس النواب نبيه بري نفسه الذي كان المح منذ شهرين الى انه لن يدعو لجلسة قبل اقرار كل الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، وان التوافق ضروري لاي جلسة مقبلة ، فعلها ودعا لجلسة واضعا الجميع ، لا سيما من كان يطالب بتحديد جلسات، امام مسؤولياته.
صحيح ان الجميع كان يدرك ان الجلسة الاولى “مش محسوبة”، في ظل غياب التوافق على مرشح قادر على تأمين ال65 صوتا المطلوبة بالدورة الثانية بعد المرور بمعمودية نصاب ال 86 ، لكن اللافت في حينه كانت النتيجة التي خرجت بها تلك الجلسة، والتي كانت نجمتها الورقة البيضاء ب 63 صوتا، مقابل 36 صوتا للمرشح النائب ميشال معوض، و11 صوتاً لسليم إده، وبعض مَن صوّت لـ “لبنان”.
انتهت الجلسة، ولم يكد يمر اسبوع على انتهائها حتى ضرب بري يوم الخميس 13 تشرين موعدا لجلسة ثانية لانتخاب الرئيس الموعود ، علما ان اي طارئ لم يتبدل واي اتفاق لم يحصل ، حتى ان تاريخ 13 تشرين طرح اكثر من سؤال اتى على لسان رئيس التيار الوطني الحر امس عندما قال : واضح عدم الجدية بملف استحقاق الرئاسة، ولا نعرف ما اذا كان تحديد موعد 13 تشرين هو استهتارا بالشهداء (شهداء 13 تشرين) . فهل يؤجل الموعد تماما كما فعل عندما ضرب سابقا تاريخا لجلسة الموازنة تزامن مع تاريخ اغتيال بشير الجميل في 14 ايلول، فنزل عند رغبة “القوات” و”الكتائب” وارجأ الموعد ؟
بالانتظار سؤال يطرح: ما الذي دفع برئيس البرلمان الى الاسراع بتحديد موعد الجلسة الثانية؟
تجيب مصادر مطلعة على “اللعبة السياسية ” التي لا تزال ببداياتها بمسار الاستحقاق الرئاسي، الى ما يردده دوما البطريرك الماروني مار شبارة بطرس الراعي لجهة وجوب اتمام الاستحقاق بموعده، والى البيان الصادر منذ يومين عن المطارنة الموارنة، والذي جاء فيه مناشدة لبري بشخصه، اذ قال حرفيا بيان المطارنة :”الآباء تابعوا باهتمام، عقد جلسة المجلس النيابي الخاصة بانتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية، وما أسفرت عنه. وإذ ينظرون بإيجابيةٍ إلى الجولة الانتخابية الأولى وما اتصفت به من تقيدٍ بالأصول الديموقراطية، يدعون السادة النواب، ولا سيما رئيس المجلس النيابي، إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهوريّة ضمن المهلة الدستوريّة، يكون قادرًا على بناء وحدة الشعب اللبنانيّ وإحياء المؤسّسات الدستوريّة وأجهزة الدولة، وتعزيز عمليّة الإصلاحات المطلوبة، بعدما بلغت الأوضاع العامة من التدهور ما لا قِبَلَ للبنانيين بتحمُّله، ومما يمكن أن يزيدها سوءًا”.
وتخلص المصادر الى القول : بري متأكد من ان الجلسة الثانية ستكون شبيهة بالاولى لكنه ارتأى تحديد موعدها استجابة لما تريده رأس الكنيسة المارونية ، لا سيما ان دعوته اتت بعد ساعات قليلة من بيان المطارنة الموارنة.
فكيف سيرسو عليه المشهد يوم 13 الحالي، اذا ما بقي الموعد على حاله ؟ الواضح حتى اللحظة ان “القوات” و”الكتائب” ومعها “الاشتراكي” ثابتون حتى الساعة، على ترشيح النائب ميشال معوض الذي تمكن من حصد 36 صوتا بالجلسة الاولى، ومرجح ان يرتفع في الجلسة المقبلة ليتخطى ال 40 او اكثر بقليل، ولهذه الغاية يجهد رئيس حزب “القوات” ومعه “الكتائب” بجولات مكوكية واجتماعات، كان آخرها امس مع نواب “تكتل الاعتدال الوطني” الذين كانوا منحوا في الجلسة السابقة اصواتهم لـ “لبنان” ، في محاولة من جعجع لاقناعهم بالتوحد خلف معوض، الا ان محاولته باءت امس بالفشل، اذ تكشف مصادر خاصة مطلعة على جو الاجتماع ان جعجع الذي لم يكن متشددا بكلامه، اذ دعا نواب التكتل الى وجوب ان تكون المعارضة موحدة خلف مرشح واحد ، متمنيا التصويت لميشال معوض، فاتاه الرد من قبل نواب “تكتل الاعتدال الوطني” بانه “بعد بكير “، فنحن لدينا مبادرة خاصة بنا لم تنضج بعد، فما نريده هو شخصية حوارية، فقال هنا جعجع : “وبيسوى تكون شخصية مواجهة تفرض نوعا من توازن القوى” ، فحرص التكتل على عدم اغلاق الباب بشكل كامل، لكنه جدد التأكيد بانه يفضل البقاء بموقع وسطي وعلى علاقة جيدة مع الجميع يدعم شخصية واضحة بمواقفها وثابتة. فرد جعجع هنا بالقول : “انا معكن، وافهم هذا الامر، لكن افضل ان نذهب باتجاه سيناريو يرفع اصوات معوض من 40 الى 50 كي نظهر بانه لدينا ثقل اكتر”، فانتهى الاجتماع الى “لا كلمة حاسمة “. وعليه اكدت مصادر في “تكتل الاعتدال الوطني” بانه في حال لم يطرأ شيء ما من اليوم وحتى الخميس فموقف التكتل لن يتبدل.
الى موقف “تكتل الاعتدال” يضاف موقف نواب “التغيير” ال13 الذين كانوا اكثر وضوحا من غيرهم، وقالوها صراحة على لسان النائب ابراهيم منيمنة : لا يمكن ان ننتخب معوض، اذ لا يمكن السير بمرشح يتعارض مع معايير مبادرتنا الرئاسية، خصوصا بالموضوع الاقتصادي والمصارف.
وعليه، فنواب “التغيير” يرون بمعوض “مرشح حزب المصارف”، فيما يجهد جعجع في محاولة لتأمين الالتفاف حول معوض ، لاسيما ان اوساطا بارزة متابعة تشير الى ان رئيس “القوات” حاول بعد التشاور مع السفير السعودي اقناع الجميع بمن فيهم “الكتائب” و”الاشتراكي” بالسير بمعوض رغبة منه بخلق خلاف زغرتاوي – زغرتاوي وشمالي -شمالي ، باعتبار ان المرشح الوحيد غير المعلن بعد، والذي ينافس في المقلب الآخر معوض هو رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية.
وتابعت الاوساط بان جعجع حبك جيدا السيناريو، وهو يعلم ضمنا ان وصول معوض شبه مستحيل فاعلن السير به بحسب ما تقول الاوساط، ايمانا منه بان هذا الصراع الزغرتاوي قد يطيح في نهاية المطاف الرجلين معا بضربة واحدة، ويسهم في حرق الاسمين : فرنجية ومعوض، ولو ان الاوساط استغربت كيف ان ميشال معوض سار برغبة “القوات” وانطلق يبحث عن 25 صوتا اضافية شبه مستحيلة التأمين.
وتكمل الاوساط بان من وقف في وجه مخطط جعجع حتى اللحظة هم النواب السنّة الذين فشلوا حتى الامس باقناعهم بالسير بمعوض، انطلاقا من نقمة الشارع السني على جعجع “الخائن للحريري” بتعبيرهم، والرافضين لزعامة اي طرف غير سني للطائفة السنية.
ولكن ماذا عن رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي يسجل له دوما مواقفه التاريخية لحظة الاستحقاقات الوطنية ، وهو الذي رفض الخروج عن الاجماع المسيحي وصوّت لميشال عون رئيسا للجمهورية ولو عن غير قناعة بشخص عون، فلماذا سار زعيم المختار حسب “هوا معراب” ؟
تجيب مصادر “اشتراكية” بان ترشيح معوض من “اللقاء الديموقراطي” ليس مناورة، بل هو جدي ، مشيرة الى ان ما يهم جنبلاط الا يتم الاتيان برئيس تحدي. وتختم المصادر “الاشتراكية” بالقول :” فلننتظر مسار الامور علما ان اي شيء لم يتبدل بعد”.
وتعليقا على ما نقلته المصادر “الاشتراكية”، علقت اوساط بارزة على اصرار جنبلاط بالسير بمعوض حتى اللحظة بالقول : جنبلاط “عم يلعبها ذكية”، فهو من جهة يظهر للمجتمع الدولي والعربي انه يدعم المرشح “السيادي” المزكّى من “القوات” في وجه مرشح 8 آذار ، وهو يدرك تماما ان وصول معوض صعب لا بل صعب جدا ، فيظهر عندما يحين موعد الجدّ بانه حاول ودعم مرشح المعارضة لكنه لم يتمكن من الوصول الى سدة الرئاسة، وعليه يكون جنبلاط قد ضرب عصفورين بحجر واحد على قاعدة :” دعمت المرشح السيادي لكن وصوله تعذر، فلنبحث عن التوافق الممكن”. وتختم الاوساط : يبدو ان جنبلاط يلعب في الوقت المستقطع، ولكن في النهاية فالاكيد ان جنبلاط، الحليف التاريخي لبري سينسق معه عند اللحظات المصيرية.
على المقلب الآخر، تقف 8 اذار بمختلف مكوناتها متمسكة حتى اللحظة بالورقة البيضاء، وهي ان ارادت التوافق والتوحد خلف مرشح واحد فهي تستطيع ايصاله لسدة الرئاسة، اذ لا ينقصها الا صوتين اضافيين في الدورة الثانية اذا تأمن النصاب، والرهان هنا على ان ال40 صوتا التي هي في حوزة معوض والتي قد ترتفع في افضل الاحوال ل45 ، ما يعني عمليا انها تصبح قادرة على تعطيل النصاب، لن تتجرأ على ذلك امام المجتمع الدولي.
وعليه، فالعين على ما بعد الجلسة الثانية والثالثة او حتى الرابعة ، فالعين تحديدا على بعد انتهاء المهلة الدستوية لانتخاب رئيس ، وعلى المرشح الذي قد يواجه فعليا سليمان فرنجية، والذي لا تزال ورقته مستورة لدى المعارضة. علما ان اوساطا بارزة اختصرت المشهد بالقول: واضح ان ميشال معوض هو “بروفا” لجوزيف عون ، فالاسم او الورقة المستورة حتى اللحظة، والتي قد تجمع وتوحد المعارضة بمرحلة لاحقة هو قائد الجيش جوزيف عون، والعبرة هنا تكمن على الضفة المقابلة باتفاق يرعاه حزب الله بين سليمان فرنجية وجبران باسيل.
اذ لا يختلف اثنان على ان التيار الوطني الحر ممر الزامي لوصول اي مرشح يدعمه حزب الله الى سدة الرئاسة ، والحزب سيشغل محركاته بحسب المعلومات عندما تحين لحظة الجدّ، علما ان الاتصالات ما وراء الكواليس “شغالة” ، ولو انها لم ترق بعد لمستوى عقد لقاء بين باسيل وفرنجية.
فهل يكون باسيل امام خيارين احلاهما مرّ: اما جوزيف عون واما سليمان فرنجية؟
فاذا سارت الامور بعد تخطي المهل الدستورية لانتخاب رئيس نحو هكذا سيناريو اي حسابات سيزينها باسيل؟ فهل يختار “فرنجية الاصيل” الذي تجمعه به مبادئ استراتيجية، لاسيما ان الاخير يستطيع، بحسب ما تقول مصادر في 8 آذار، تأمين التوازن المسيحي بين الفرقاء، ويشكل عنصر اطمئنان للمقاومة ، وكان تعهد بحماية الطائف ، لا سيما ان لا “فيتو” عربيا او دوليا برز حتى الساعة على اسم فرنجية نفسه؟ او يحسم باسيل امره باتجاه الخيار العسكري “نكاية بفرنجية” فيتكرر السيناريو نفسه مع الاسم ذاته يوم رشّح جعجع ميشال عون “نكاية ” بترشيح الحريري لسليمان فرنجية، فطار يومها فرنجية وحط ميشال عون في بعبدا؟ هل يكررها التاريخ مع سليمان فرنجية، فيحبط باسيل وصوله مرة جديدة لكرسي بعبدا؟ او ان حزب الله سيكون بالمرصاد؟!