زيارة رأس الدبلوماسية الفرنسية إلی بيروت: نصائح وتحذير ولا اقتراحات
«معصلجة كتير»، بهذه العبارة يجيب مصدر وزاري عن مسار تأليف الحكومة، وما آلت اليه الاتصالات والمشاورات بشأن إمكانية التوافق على اسم رئيس الجمهورية الجديد، لافتاً الى ان ما يقلقه هو دخول لبنان مرحلة من الفراغ في ما خص هذين الاستحقاقين وبالتالي نصبح أمام مشهد من الفوضى العارمة التي من الممكن أن نعرف كيف تبدأ، ومن الصعب التكهن إلامَ ستنتهي؟.
في تقدير هذا المصدر أن الوقت لم يعد يحتمل المناورات، ونصب الافخاخ، والشروط المتبادلة وأنه في حال لم ينتبه أهل الحل والربط الى مخاطر ما نحن قادمون عليه، فإن البلد سيغرق في أتون الصراعات السياسية التي ستولد حتماً انفجاراً إجتماعياً بعد أن انهار الاقتصاد ومعه العملة الوطنية التي لم تعد تملك أي مقومات صمود أمام الزحف المتسارع لسعر صرف الدولار الذي يشد الخناق يومياً على رقاب اللبنانيين.
وبالرغم من ارتفاع وتيرة الحركة الدولية تجاه لبنان، وخصوصاً التحركات الدبلوماسية التي تؤكد على ضرورة التزام اللبنانيين بالاستحقاقات الدستورية والمهل المتصلة بها والتي يأتي في مقدمها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إن كل المعطيات المتوافرة تؤكد أن مسار تأليف الحكومة مكبل بالكثير من التعقيدات، وأن الطريق الى قصر بعبدا ما تزال غير معبدة، لا بل انها باتت شبه مستسلمة للفراغ الذي ربما يستوطن القصر لمدة غير قصيرة، كون أن العامل الخارجي الاكثر فعالية في انجاز هذا الاستحقاق ما زال غائباً، لا بل إن الدول المعنية بالملف اللبناني غير مكترثة لهذا الامر على رغم المساحة الضيقة المتبقية من عهد الرئيس ميشال عون، وذلك بفعل انشغال هذه الدول بالتطورات التي تحصل في المنطقة والتي هي بالنسبة لها أهم بكثير من انتخاب رئيس في بلد مثل لبنان.
من هنا فإن الجلسة التي دعا اليها الرئيس نبيه بري قبل ظهر غد لن تُحدث أي تطور جديد في مسألة انتخاب الرئيس وإن تأمين النصاب بعد اعلان تكتل «لبنان القوي» مقاطعة هذه الجلسة التي ستكون نسخة شبيهة بالجلسة الأولى من حيث الشكل والنتيجة، وقد ناقش النائب جبران باسيل هذا الموضوع مع بكركي خلال لقائه بالبطريرك الماروني بشارة الراعي خلال جلسة المصارحة التي عقداها أمس حيث ناقش أدق الامور التفصيلية إن على مستوی تأليف الحكومة أو انتخاب رئيس للجمهورية، وقد جدد البطريرك موقفه الداعي الى ضرورة انتخاب رئيس والحؤول دون الشغور الرئاسي الذي في رأيه إن وقع سيكون له الوقع الخطير على مجمل الوضع اللبناني.
واذا كان المشهد السياسي على هذه الحال على الساحة الداخلية فإنه من غير المأمول ان تسجل الحركة الدبلوماسية العربيية أو الغربية أي خرق في جدار الازمة، وإن الزيارة المرتقبة لوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الى بيروت لن تحمل معها اية حلول سحرية للوضع المأزوم، وإن جُلَّ ما ستحمله في جيبها هو رسالة دعم وتأييد للبنان، الى جانب الحث على ضرورة تقديم كل ما يسهل اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري وتفادي الفراغ الذي ربما سيكون له تداعيات خطيرة على لبنان الذي يعيش في الاصل تحت وطأة ازمة اقتصادية واجتماعية لم يألفها لبنان منذ الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فإن زيارة رأس الدبلوماسية الفرنسية لن يكون لها الاثر الفعّال إن في ما خص التأليف او انتخاب رئيس، وإن هذه الزيارة تأتي من باب حرص باريس على التأكيد بأنها ما تزال الى جانب لبنان وإنها مستعدة للقيام بأي امر من شأنه ان يسهل حصول الاستحقاقات الدستورية في موعدها ووضع لبنان على الطريق الصحيح في اتجاه الاستقرار والازدهار، كون ان فرنسا تعلم علم اليقين بأن المجتمع الدولي ليس في وارد اعطاء لبنان اي «فلس» ما لم يكن في وضع سياسي ودستوري سليم، وتلمس الشروع في القيام برزمة الاصلاحات المطلوبة للحصول على المساعدات، من هنا فإن الوزيرة الفرنسية ستقدم النصيحة باسم الإليزيه للمسؤولين اللبنانيين بضرورة الاستعجال بترتيب البيت اللبناني الداخلي للحؤول دون تفاقم الازمات التي باتت بكثرتها اشبه ببيت العنكبوت.
وسطاء يعملون على قدم وساق لتليين المواقف وإخراج الحكومة من عنق النكد والنكايات
ad
اما لناحية تأليف الحكومة فإن الامور غير مقفلة، وإن كانت المؤشرات الى الآن غير مشجعة كفاية على رغم عمل الوسطاء على قدم وساق في اتجاه تليين المواقف لا سيما على خط «التيار الوطني الحر» الذي ما زال يعترض على الصيغة التي كان الرئيس المكلف نجيب ميقاتي قد اودعها رئيس الجمهورية، وبحسب مصادر عليمة فإن عدة صيغ تطرح في التداول حالياً، وإن الصيغة الاقرب للقبول هي ان يحصل التعديل الوزاري ليشمل خمسة وزراء على ان تسمي كل جهة سياسية ممثلها الذي سيحل محل الوزير الذي سيخرج من الحكومة، وفي حال عادت الشياطين لتعبث بالتفاصيل ستكون امام طريق مقفل، اما في حال غابت هذه الشياطين فإننا سنكون امام حكومة قبل الربع الاخير من هذا الشهر.
وتستحضر المصادر كلاماً كان قد قاله الرئيس بري في محطات مماثلة متعلقة بتأليف الحكومة، بأن الحكومة مثل المرأة الحامل من الممكن ان تلد في اية لحظة.