Site icon IMLebanon

إستحقاق رئاسي جمهوري وحكومي

 

 

يقول أحد النواب في معرض توصيفه لمشهد الاستحقاق الرئاسي انّ اربع جهات هي القادرة على ممارسة «الفيتو» في معركة انتخابات رئاسة الجمهورية، وهي: الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية و«حزب الله». فأيّ رئيس لن يمرّ الا بتوافق هذه الجهات الاربع، ما يعني ان الرئيس العتيد لا يمكن إلا ان يكون توافقياً في الداخل والخارج.

لكن ليس كل ما يظهر في أفق الاستحقاق الرئاسي الى الآن هو كل الحقيقة، فالعيون شاخصة على من سيكون الرئيس من دون الالتفات الى حقيقة انّ هذه المحطة الدستورية هذه المرة ستكون غير سابقاتها نسبة الى حال الانهيار التي انزلقت اليها البلاد على كل المستويات ما يعني انها ستكون، اذا صدقت النيات والارادات الداخلية والخارجية، محطة لوضع لبنان على سكة التعافي.

 

ويؤكد المواكبون للتطورات الجارية في شأن الاستحقاقات اللبنانية انّ التحضير الجاري لإنجاز هذه الاستحقاقات يتجاوز الاشخاص الى التركيز على اعادة تكوين السلطة اللبنانية برمّتها، ما يجعل من الاسماء تفصيلاً صغيراً اذا ما قورِن بالمسؤوليات الكبرى والمصيرية التي تنتظر هذه السلطة. ولذلك يتركّز البحث على إرساء حل متكامل للازمة اللبنانية عنوانه انتخاب رئيس جديد، ولكن مضمونه إرساء سلطة تنفيذية متكاملة من رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة وصولاً الى تركيبة الحكومة الجديدة.

 

فالبحث عن الرئيس العتيد يسير في التوازي معه، بل في مضمونه ايضاً، بحث عن الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة الاولى في عهد هذا الرئيس وطبيعة التشكيلة الوزارية التي يفترض ان تتكوّن منها الحكومة، والتي يفترض ان يتمثّل فيها الجميع ليتحمّلوا جماعياً مسؤولية النهوض بالبلاد.

 

ولذلك، فإنّ بعض العواصم المهتمة بالاستحقاق الرئاسي لا تتوقف كثيراً عند من سيكون رئيس الجمهورية بمقدار توقّفها عند من سيكون رئيس الحكومة في محاولة منها لاستدراج صفقة تقوم على معادلة التوافق عليهما معاً، واستطراداً على طبيعة الحكومة وبرنامجها استناداً الى كل الاصلاحات السياسية والاقتصادية والادارية المطروحة الآن ضمن خطة التعافي التي أعدّتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وهي في غالبيتها مطلوبة محلياً ومن المجتمع الدولي، لا سيما منه الدول المانحة التي ربطت تقديم اي دعم للبنان من خلالها او عبر المؤسسات المالية الدولية بإجراء هذه الاصلاحات.

 

ولا ينفصل الحراك الديبلوماسي السعودي الناشط محليا واقليميا ودوليا حول لبنان عمّا يحضّر لإنجاز الاستحقاقات اللبنانية، بل ان السعوديين موجودون في كل اللقاءات والمشاورات التي تجري في هذا الصدد، بدليل البيان المشترك السعودي ـ الفرنسي ـ الاميركي الذي صدر في نيويورك قبل اسابيع على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة الذي شدّد على اجراء الاستحقاقات اللبنانية واعتبار اتفاق الطائف المؤتمَن على الوحدة الوطنية في لبنان.

 

فالمملكة على ما تقول مصادر ديبلوماسية عربية: «لن تقبل بأي تسوية اقليمية على حساب لبنان، بل انها تريد ان يكون لبنان جزءاً من اي حل لا ان يكون اي حل على حسابه، وهي تعمل على اقامة شبكة امان اقليمية ودولية لحمايته ودعمه سياسياً واقتصادياً ومالياً»، مشيرة الى انّ البيان السعودي ـ الفرنسي – الاميركي الاخير «هو أحد مظاهر هذه الشبكة وستَليه مظاهر كثيرة تِباعاً، وقد تم التأسيس لها في الاجتماعات السعودية والفرنسية والاميركية التي عقدت ولا تزال تعقد في باريس».

 

وخلال احد هذه الاجتماعات، تقول المصادر، «تم التشديد على ضرورة الحفاظ على «اتفاق الطائف» والدفع في اتجاه استكمال تطبيقه وتصحيح الاخطاء التي اعترَت بعض ما نُفّذ من بنوده، وكان الموقف السعودي في هذا الصدد حازماً لجهة عدم المسّ بهذا الاتفاق، المُكلّفة الرياض عربياً ودولياً رعاية تنفيذه منذ إقراره عام 1989».

 

وفي هذا السياق سأل الجانب السعودي الفرنسيين عن مدى صحة توجّه الادارة الفرنسية الى عقد مؤتمر حوار وطني لبناني في باريس، وذلك في ضوء دعوة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى «عقد اجتماع جديد» أثناء زيارته لبيروت في 4 آب 2020، فجاء الرد الفرنسي بنفي وجود مثل هذا التوجّه. على ان السعوديين، وعندما فاتحهم الفرنسيون بأمر الاستحقاق الرئاسي في ضوء لائحة اسماء من المرشحين، لم يهتموا بالامر على اساس انّه شأن داخلي، ولكن في لقاء آخر بين الجانبين توقّفوا عند اسماء بعض المرشحين، ولكنهم ابدوا امام الجانب الفرنسي اهتمامهم بالاستحقاق الحكومة الذي سيَلي انتخاب الرئيس، ولمس الجانب الفرنسي وجود اهتمام سعودي واستعداد لمساعدة اللبنانيين على بناء السلطة الجديدة ضمن برنامج سياسي ـ اصلاحي متكامل أساسه الاتفاق على رئيسي الجمهورية والحكومة الجديدين.

 

ويشدّد السعوديون على انهم انطلاقا من هذه الاستحقاقات يريدون بناء شراكة استراتيجية مع لبنان الى جانب الشراكات التي يعقدونها مع كثير من الدول العربية، لافتين الى التطور المُضطرد في العلاقة السعودية ـ العراقية، ويرون انّ الشراكة مع لبنان ينبغي ان يكون منطلقها ان ينفذ الاصلاحات المطلوبة، ويؤكدون «ان توجيهات ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان إزاء لبنان هي تقديم الدعم له في كل المجالات من دون التدخل في خيارات اللبنانيين التي يريدها ان تكون خيارات حرّة ونابعة من مصلحة لبنان»، بحسب قول السعوديين، مُضيفين «انّ لبنان حاضر في رؤية «المملكة 2030». ويشيرون الى «انّ المملكة تعمل الآن على إقامة جسر على البحر الاحمر يمتد من ساحة منطقة «نيوم» الى مصر في الجهة المقابلة، وهو سيُعدّ اطول واكبر جسر في العالم»، لافتين الى مدى الاهمية المستقبلية لـ»نيوم» بالنسبة الى مصر ومستقبل العلاقة السعودية معها.

 

ولا يعلّق السعوديون كثيراً على الاتفاق المتعلق بترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، ولكنهم يعتقدون انّ «له علاقة بمفاوضات مجموعة الـ 1+5 المتعلقة بالملف النووي الايراني، ويرون ان ايران أعطت في هذا الترسيم، ولكن لم يعرف بعد ما أخذته في المقابل من دون تلك المجموعة على مستوى ملفها النووي».