كلّ التحليلات النفسية لم تستطع أن تفسّر كيف أنّ مجموعاتٍ من الشعب اللبناني تصفّق لمن يُبقي لبنان في حال الانهيار ولا يخطو خطوةً واحدةً باتّجاه الإنقاذ، ولماذا يخطو خطوة كهذه طالما أنّ الجماهير معه في السرّاء والضرّاء.
التعطيل الذي نعيشه اليوم هو في انتخابات رئاسة الجمهورية، وعندما تسمع تبريرات المعطّلين تشعر بأنّك مقصّر تجاه هؤلاء، وأنّ من واجبك شكرهم على التعطيل وكذلك على الشغور الذي ألحقوه برئاسة الجمهورية، لأنّه بنظرهم ونظر أتباعهم، يصبّ في مصلحة لبنان واللبنانيين، معتبرين أنّ ما قاموا ويقومون به هو عمل “وطني”، على غرار كلّ الأعمال “الوطنية” السابقة التي أوصلت لبنان إلى الوضع الراهن. لم يكن يوماً التعطيل والشغور بالنسبة لهؤلاء مُضرّاً بلبنان وبمصالح أهله، فهموم المعطّلين والمتسبّبين بالفراغ لا تتجاوز مسألة أن يحقّقوا ما يصبون إليه من استمرار سيطرتهم على السلطة وعلى ما تبقّى من موارد في البلاد، محاولين رمي كرة الخراب في ملعب أخصامهم اللبنانيين ودول يتّهمونها بالتدخّل في الشؤون اللبنانية، والحديث عن مؤامرة تُحاك في الظلام ولا قدرة لهم على مواجهتها، فكيف يواجه هؤلاء أيّ مؤامرة مزعومة وهم يعطّلون ويفرِغون الدولة ومؤسّساتها من كل ما يمكن أن يعيد وضع البلد على السكّة الصحيحة؟
وانطلاقاً من كل ما تقدّم، لفت ما كان قد قاله نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، عن أنّ لبنان يخسر يومياً 20 مليون دولار إن لم تنفّذ خطّة التعافي والإصلاحات، وقد يكون الردّ على ما قاله الشامي بأنّ هناك في لبنان أيضاً من يربح يومياً هذه الـ20 مليون دولار، ومن يربحون هذا المبلغ هم بالتأكيد ممّن لا يريدون إصلاحاتٍ ولا دولةً ويروّجون للفراغ الرئاسي ويعملون على إطالة أمده، فتبقى الطرق مفتوحةً أمامهم لتمويل مشاريعهم وجماعاتهم على حساب الدولة اللبنانية وباقي أفراد الشعب اللبناني.
إنّ إتمام الاستحقاق الرئاسي، ولكن ليس كيفما كان، هو بداية قطع الطريق على هؤلاء الذين أدركوا أنّ سياساتهم هي التي أضعفت قوّتهم البرلمانية والسياسية، وربّما لا يريدون الاعتراف بهذا الواقع، أو على الأقلّ هم يعترفون ولكنّهم لا يريدون دفع الثمن، ولذلك يعمدون إلى التعطيل وتكريس الفراغ كورقة ابتزاز يريدون استخدامها في استعادة أحد مراكز القوة الذي فقدوه ربّما الى حين، وربّما الى غير رجعة.