Site icon IMLebanon

هل ستُخطف رئاسة الجمهورية خطفاً؟

 

يزداد المشهد الرئاسي تعقيداً، ربطاً بالتطورات الاقليمية والدولية التي تأخذ منحى اشتباكياً، تصاعدياً لا ينذر باقتراب أزمنة التسويات. والأرجح أنّ مشهد الجلسات الانتخابية المملة، سيكرر ذاته طوال الفترة المقبلة، والتي يصعب تحديد مدّتها أو معايير متغيّراتها.

 

في الواقع، تدلّ المؤشرات على أنّ الاستحقاق الرئاسي فوّت لحظة ترسيم الحدود التي شكّلت فرصة تاريخية تقاطعت فيها مصالح الكبار عند المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان، لتنجز اتفاقاً، كلّفت مفاوضاته عقداً من الزمن، لكن لحظته لم تأت إلّا حين توافرت الظروف الملائمة لكي تتلاقى المصالح عند الخطّ 23 بعد ضمّ مكامن قانا المحتملة إلى الجانب اللبناني. وهذه الظروف لم تقتصر على طرفيّ الاتفاق، وإنما شملت في سلّتها حاجة اوروبا للغاز، كما حاجة الولايات المتحدة الأميركية لابرام الاتفاق.

 

إلّا أنّ التطورات المتسارعة على الساحة الدولية، بدءاً بالحراك الشعبي داخل ايران، وصولاً إلى نتائج الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأميركية واستطراداً تقييد يديّ الرئيس الأميركي جو بايدن لما تبقى من ولايته، مروراً بالاشتباك الأميركي – السعودي والتعثّر في المفاوضات السعودية – الايرانية… حالت دون انسحاب «المومنتوم» الذي أحدثه اتفاق ترسيم الحدود، على الاستحقاق الرئاسي.

 

وكما وصف الدبلوماسي الجزائري الأخضر الابراهيمي مسار اتفاق الطائف بأنّه شهد تبدلاً جذرياً بعيد حرب الخليج الاولى، يمكن اسقاط التشبيه على اتفاق الترسيم من خلال الإشارة إلى أنّ حرب اوكرانيا سمحت بإبرام الاتفاق، لكن اللبنانيين لم يلتقطوا اللحظة لاسقاطه على اتفاق موازٍ يأتي برئيس للجمهورية ورئيس للحكومة، فجاء الاشتباك الاقليمي السعودي – الايراني والأميركي – الايراني – السعودي ليطيح بحظوظ أي تسوية قريبة.

 

هكذا، يصير المسار المتدرّج الذي اختاره «حزب الله» في مقاربته للانتخابات الرئاسية مفهوماً. اذ أنّ «الحزب» يحرص حتى اللحظة على عدم الكشف عن أوراقه، ولو أنّ مرشحه الجدي والأساسي معروف للحلفاء وللخصوم، وهو رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.

 

لكنّ «الحزب» يتعاطى مع المسألة بكثير من الحذر، وقرر في المرحلة الأخيرة الانتقال من مربّع الصمت المطبق، إلى مربّع تحديد المعايير، حيث يواظب مسؤولوه على حصرها بمعايير محددة تتصل حصراً بالعلاقة مع المقاومة، لجهة الرغبة في انتخاب رئيس يحمي ظهر المقاومة ولا يطعن بها… حتى أطلّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله وقال بالمباشر: «نريد رئيساً مطمئناً للمقاومة، ورئيساً شجاعاً ولا يخاف ويقدّم المصلحة الوطنية على خوفه ونريد رئيساً لا يباع ولا يشترى. لا نريد رئيساً يغطي المقاومة أو يحميها لأنها لا تحتاج إلى ذلك، بل رئيساً لا يطعنها في الظهر».

 

هكذا، حدّد الحزب مواصفاته للرئيس المقبل، ليطيح بالكثير من الأسماء التي قد تشكّل حالة التقاء وسطيّ بينه وبين الخصوم من خلال الاتفاق على مرشح حيادي أو مستقل أو غيرهما من الأوصاف التي تخصّ الترشيحات الوسطية. ليعود بذلك اسم فرنجية إلى رأس القائمة.

 

وبهذا المعنى، يمكن القول إنّ «الحزب» عاد إلى منطق التشدد في موقفه من الاستحقاق ربطاً بالظروف الخارجية التي تسلك مساراً معقّداً يصعب معه ايجاد مخرج تفاهمي للاستحقاق الرئاسي.

 

ويقول المتابعون إنّ السعوديين بدورهم، قرروا العودة إلى لبنان من موقع المتصلّب أيضاً بدليل اطاحتهم بمشروع طاولة الحوار التي كانت ستستضيفها السفارة السويسرية في بيروت والعمل من جديد على تثبيت اتفاق الطائف «بالقوة» وهو الذي صار أشبه بهيكل متهاوٍ. كل ذلك ليزيد من الإشارات التي تثبت بأنّ الاستحقاق الرئاسي صار في عين العاصفة.

 

ما يعني أنّ احتمال حصول خرق في المدى المنظور، صار مستبعداً في ضوء التباعد الحاصل في المواقف الذي يجعل امكانية التقدّم خطوة إلى الأمام، إلى خطّ وسطي، غير متوفرة، وها هي قمّة المناخ الذي استضافتها مصر، تمرّ مرور الكرام على الملف اللبناني بينما كان البعض يعتقد أنّ المصريين قد ينجحون في احداث خرق ما مع العلم أنّ مرشحهم المفضل هو قائد الجيش جوزاف عون…. وبالتالي، إنّ سيناريو التفاهم غير مطروح راهناً، الّا اذا كان سليمان فرنجية هو موضع هذا التفاهم.

 

وفق المتابعين فإنّ موقف رئيس «التيار الوطنيّ الحر» جبران باسيل، هو المتحكم بهذا السيناريو من خلال انضمامه إلى جبهة المؤيّدين لخيار رئيس «تيار المردة» لتأمين أكثرية نيابية تحمله إلى قصر بعبدا، خصوصاً وأنّ تموضع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بين الاصطفافين، ولو أنّ فريقه لا يزال حتى اللحظة ضمن الجبهة التي تصوّت للنائب ميشال معوض، يجعل من احتمال انتخاب فرنجية رئيساً، قابلاً للتحقيق، ولو من خلال تأمين النصاب لا أكثر، بدليل أنّ النائب مروان حمادة ذكر في حديث له أمس أن «سليمان فرنجية مقبول».

 

وهذا ما يقود إلى السؤال: هل بالإمكان تحقيق هذا الخرق من دون تسوية اقليمية كبيرة؟ أو بالأحرى من دون شراكة السعودية؟ هل يمكن لـ»حزب الله» أن يخطف الرئاسة من خلال تأمين أغلبية تجعل من فرنجية رئيساً؟