اياً كانت ردّات الفعل على مواقف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله نهاية الاسبوع الماضي في شكلها ومضمونها، فإنّ هناك من توقّف عند أهمية ان يكشف عن مواصفات مرشح «الثنائي الشيعي» في المواجهة التي يخوضها، متسلّحاً بالأوراق البيض. وهو ما يؤدي إلى اكثر من سيناريو أبرزها إثنان متناقضان: فإما ان يسرّع آلية انتخاب الرئيس او يطويها في انتظار انتاج تسوية ما. وعليه ما هو المتوقع؟
مما لا شك فيه أنّ نصرالله نهاية الاسبوع الماضي قد رسم عنواناً جديداً للمعركة التي تُخاض من أجل انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، وأنهى التشكيك القائم بوجود تمايز بين طرفي «الثنائي الشيعي» وحلفائه، مما يعطي نكهة جديدة للمواجهة المفتوحة في ساحة النجمة، التي شهدت حتى الخميس الماضي على مدى الجلسات الخمس التي عُقدت من اجل انتخاب الرئيس، من دون ان يغامر الثنائي بالانتقال الى الدورة الاولى التي تلي الجلسات الخمس للدخول إلى مدار «الأكثرية المطلقة» بالنصف زائداً واحداً، لانتخاب الرئيس على خلفية الهواجس من إمكان ان تكون هناك قطبة مخفية يمكن ان تقود الى حيث لا يريده أي منهم ومن حلفائهم، على الرغم من الاطمئنان إلى تشتت أصوات المعارضة والتغييريين وحلفائهم من المستقلين.
وعلى هذه الخلفيات يمكن القول بشكل حاسم لا يقبل الجدل، انّ الحديث في بعض الكواليس عن وجود تمايز بين الحركة والحزب في شأن هذا الاستحقاق ليس في مكانه على الاطلاق. لا بل فمن الواضح، انّ مثل هذا الإعتقاد هو من أضغاث أحلام البعض. ففي الكواليس النيابية، حديث متنامٍ عن توجّه لدى بعض نواب من «كتلة التنمية والتحرير» الذين ينادون بضرورة الانتقال من مرحلة الأوراق البيض، لتحمل «أسماء علم» تُنهي التشكيك بالعجز عن وجود مرشح يحمل «إسماً محدّداً» يخوض المواجهة الرئاسية. وهو أمر مطروح على خلفية الظن أنّ الحزب يعيش حالة من «العزلة الداخلية» في هذا الاستحقاق. وإن كان ذلك غير موجود، فإنّه عاجز عن إيصال مرشحه الى المرحلة النهائية التي تؤهّله للفوز في السباق إلى قصر بعبدا، طالما انّه لم يتمكن من تجميع القوى الحليفة له وحلفاء حلفائه الجدد، بشكل يضمن فتح المجال امام انعقاد الدورة الانتخابية الثانية في أي جلسة مخصّصة لانتخاب الرئيس، وتوفير الاكثرية المطلقة له بالنصف زائداً واحداً لمرشحه.
عند هذه المعطيات التفصيلية، تعترف مراجع نيابية وسياسية تواكب المساعي المبذولة من أجل البحث عن الرئيس «التوافقي»، بأنّ الحديث عن العزلة الداخلية التي تمنع الحزب من إيصال مرشحه المفضّل الى قصر بعبدا بفعل فقدانه الأكثرية التي كان يمتلكها في المجلس النيابي السابق، فإنّه ليس محاصراً على المستوى الاقليمي والدولي، وأنّ هناك آذاناً صاغية لطروحاته في اكثر من مبادرة دولية ما، ناشطة في الكواليس الديبلوماسية، ولا سيما منها الفرنسية، التي باتت على كل شفة ولسان نتيجة التواصل الفرنسي المعتمد والمتعمّد مع طهران و»حزب الله» بطريقة غير خافية على الأطراف الدولية الاخرى، وخصوصاً انّ باريس انخرطت منذ فترة في وساطة اميركية ـ سعودية تسعى الى معالجة الوضع المأزوم في لبنان.
فمن الواضح لدى بعض المراقبين، انّ هذا المسعى الثلاثي قد أنتج حتى اللحظة عدداً من المبادرات الإنسانية والاجتماعية، ويمكن الانتقال من هذه المحطات الى اخرى سياسية، يمكن ان تقود إلى خرق رئاسي في لبنان في اي وقت، متى انضمت اليها جهود ايرانية واخرى دولية، لفك أسر الموقع الرئاسي الغارق في بحر من التناقضات والمعادلات السلبية في المجلس النيابي. فقد بات العالم يدرك حجم الأزمة التي تولّدت نتيجة وجود «اكثريات نيابية» متنقلة «على القطعة»، ولو كانت بطريقة عجائبية أبعدت عنه القدرة على خوض الامتحان الرئاسي الأكثر خطورة وأهمية في هذه المرحلة. وهو أمر سيؤدي إلى تبخّر ما أُنجز من «انتصارات تاريخية» ادّعت المنظومة تحقيقها، وخصوصاً على مستوى الترسيم البحري مع اسرائيل، وما انتهى إليه هذا التفاهم من ضمانات دولية وأميركية يمكن ان تؤدي إلى وضع البلاد على الطريق المؤدية إلى التعافي والإنقاذ إن أُضيفت الى التفاهمات الاولية مع صندوق النقد الدولي وما يمكن ان تؤدي اليه.
وعليه، فقد قيل الكثير عن انّ ما تحقق في البحر لا يمكن ان يدوم ما لم تتطور المعالجات الجارية للوضع الداخلي، وابرزها الاستحقاق الرئاسي وما يليه من استحقاق حكومي لا بدّ منه، والذي يمكن ان يؤهل اللبنانيين الى استكمال المراحل المقرّرة من أجل البت ببعض الإصلاحات الضرورية التي يمكن ان تحمي هذه الثروة البحرية الكبرى. فالجميع يدرك انّ المفتاح المؤدي إلى بوابة الانفراج الموعود يمكن توفيره من خلال الاستقرار السياسي الذي عبّر عنه الموقف اللبناني الموحّد من ملف الترسيم، قبل ان يتبين انّه مرحلي لا يتجاوز هذا الاستحقاق إلى أي من الملفات التي يجب ان تستتبعه من أجل الإفادة مما قاد إليه واستثماره بأفضل الطرق وأقصرها. والدلائل إلى هذه المعادلة غير خافية على احد، عندما تبين انّه تفاهم قد نُسج بنوع من الترغيب والترهيب، ومن خلال بعض الضمانات الدولية عموماً والاميركية خصوصاً، وكلها كانت بهدف لجم بعض «الرهانات الخاطئة» التي كان يمكن ان تهدّد بوقف المفاوضات وربما إلى حرب لا تحتملها المنطقة في مرحلة مأزومة هي الأخطر بوجوهها الإقليمية والدولية. ولعلّ أهمها، تلك الناجمة عن الحاجة الدولية الى المشتقات النفطية لتكون بديلاً من الغاز الروسي الذي يخضع للعقوبات المختلفة.
في ظلّ هذه المعطيات المتشابكة والمعقّدة جاء موقف الأمين العام لـ«حزب الله»، كاشفاً عن مواصفات مرشحه المفّضل، ليعطي زخماً جديداً للمعركة الانتخابية. فالتصويت بالورقة البيضاء لم يعد نافعاً، وعلى من كشف عن «حصانه الانتخابي» مقابل ما هو معلن من «حصان الآخرين»، عليه ان ينتقل الى المرحلة الأكثر تقدّماً، وأولى الخطوات المطلوبة وقف الاستثمار في الاوراق البيض، لتأخذ المعركة نكهة جديدة لا بدّ من تظهيرها ابتداءً من الجلسة السادسة المقبلة. وهو أمر لا يمكن تجاهل تأثيراته وأهميته على كل السيناريوهات المتداولة بشأن هذا الاستحقاق.
وختاماً، لا بدّ من الإشارة الى بعض المعلومات التي قالت انّ موقف نصرالله المتقدّم لم يكن إبن ساعته. ففي القفزة النوعية التي عكسها، إشارة الى تلبية رغبة دولية بحصر المواجهة بين عدد من المرشحين للرئاسة من أجل الانتقال الى مرحلة «النخل» الأخيرة بعد انتهاء «الغربلة» السابقة، في موازاة ما هو قائم من المساعي الدولية التي بلغت الذروة في الكواليس الديبلوماسية، وقد لا يطول الوقت لمعرفة عناوينها وخطوطها العريضة.