IMLebanon

أيّهما أسهل انتخاب الرئيس أم تشكيل الحكومة؟

 

 

في الاعتقاد السائد لدى مختلف الأوساط انّ لبنان الذي دخل منذ الانتخابات النيابية الاخيرة مدار مجموعة من الاستحقاقات الدستورية المتتالية التي أعقبت تكوين سلطة تشريعية جديدة قد دخل مرحلة من الترهّل الحكومي والإداري والسياسي. فكل المؤشرات تدل الى استحالة عبور أيّ مما يليها. وإن اشار احدهم الى ايّ إنجاز، يتوقف الأمر عند تسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة. وعليه طرح السؤال من يسبق من، انتخاب رئيس الجمهورية ام ولادة الحكومة؟

بعد تكوين السلطة التشريعية بمختلف مراحلها إثر الانتخابات النيابية العامة في 15 ايار الماضي واستكمال بناء هيكليتها القديمة – الجديدة كاملة، اتّجهت الانظار الى بقية الاستحقاقات المنتظرة وصولاً الى استحقاق انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية بعد اقتراب موعد نهاية ولاية الرئيس العماد ميشال عون في 31 تشرين الأول المقبل.

 

وان نجح المجلس النيابي في استكمال بناء مؤسسته الدستورية بالتجديد لرئيسها لولاية سابعة وانتخاب نائب له واميني السر والمفوضين الثلاثة ورؤساء اللجان النيابية وأعضائها والمقررين، فقد توقفت المسيرة الدستورية عند الاستشارات النيابية الملزمة التي قادت الى تسمية رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي لمهمة تشكيل الحكومة العتيدة كما انتهت الاستشارات النيابية غير الملزمة التي اجراها الى مشروع تشكيلة حكومية قدّمها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الشريك الفعلي في التأليف، واللذان عليهما متابعة المرحلة الى حين صدور مرسوم تسمية رئيس الحكومة عن رئيس الجمهورية وتسمية الوزراء بناء لاقتراح الرئيس المكلف.

 

وبعد ان عبرت البلاد بعضاً من المراحل الدستورية بات ثابتاً انّ ملف تشكيل الحكومة عالق في عنق الزجاجة على فالق الخلافات بين عون وميقاتي لِتمسّك كل منهما بمجموعة من الاقتراحات التي تُنبىء بشرخ كبير في نظرتهما الى تركيبة الحكومة العتيدة الى درجة يستحيل معها التوصّل الى تشكيلة ترضي الطرفين على الأقل حتى هذه المرحلة، في انتظار جديد غامض لا يستطيع أحد التكهن بما يمكن ان يؤدي اليه اي اقتراح.

 

ولذلك، فإنّ ما يزيد في الطين بلة، هو غياب الوسطاء حتى اليوم على رغم من مجموعة التسريبات التي تحدثت عن شروط الرئيس المكلف وما يواجهه من شروط مضادة عَبّر عنها رئيس الجمهورية في اللقاء الثاني بينهما إثر تسلّمه التشكيلة المقترحة بعد ساعات قليلة على الانتهاء من استشاراته النيابية غير الملزمة، في خطوة فاجأت الجميع ودفعت الى مجموعة من السيناريوهات المتناقضة سواء تلك التي تُشكّك في نيّات الرئيس المكلف او تُعفيه منها لتدلّ الى جديته في التعاطي مع المهمة التي كلّف بها في توقيتها وشكلها ومضمونها. فقد اعتاد اللبنانيون على مبادرات ميقاتي التي تحتمل كثيرا من الجدل على خلفية إتقانه عملية «تدوير الزوايا»، فكيف بالنسبة الى الحديث المتنامي عمّا يلقاه من دعم إقليمي ودولي وضعه في موقع المبادر في مواجهة رئيس الجمهورية والمقرّبين منه بهدف حشرهم في الزاوية، خصوصا ان توقف المراقبون أمام فقدان النية لديه بفتح اي حوار او نقاش في عملية التأليف مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مُستظلّاً أمرين: أولهما العقوبات الاميركية المفروضة عليه، وثانيهما انه المتهم دائماً بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية والمؤثر في توجهاته الاساسية في مثل هذه الاستحقاقات، وهو ما منحه القدرة على المناورة التي تسمح له بإطلاق مبادرات غير طبيعية وغير منطقية لا يستطيع كثر هضمها واستيعابها.

 

وللدلالة الى هذه المعادلة على غرابتها، يشير المعارضون لمواقف باسيل الى انه وبحكم موقعه كصهر رئيس الجمهورية ويقف دائماً من خلفه في مثل هذه المحطات، قادر على التلاعب بمواقفه وتقديم صورة غير مسبوقة. فهو رفضَ تسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة ووقف على منصة ساحة النجمة بعد الاستشارات غير الملزمة، مؤكداً النية بعدم المشاركة في الحكومة ليعلن لاحقاً انه لن يقبل باقتراحات ميقاتي لجهة رفضه المَس بإبقاء حقيبة الطاقة من حصته الحكومية والاصرار على تسمية جميع الوزراء المسيحيين مُلقياً المسؤولية على عاتق رئيس الجمهورية الذي يحق له وحده تسميتهم واختيار الحقائب التي يريدها لهم. وعليه يصرّ باسيل – إن صدقت التسريبات في شأن مطالبها – على انه لن يمنح الحكومة الثقة وهي معادلة يرفضها رئيس الحكومة المكلف في العلن ويقف في صفّه مسؤولون كثر، في مقدمهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري والحزب التقدمي الاشتراكي و»القوات اللبنانية» التي يتمنى رئيسها سمير جعجع ان لا يمنح أحد رئيس الجمهورية في ما تبقّى من عهده ما يريده في الإدارة والسياسية والحكومة.

 

عند هذه المعطيات المتكاملة يبدو واضحاً انّ اللقاء بين عون وميقاتي سيطول انتظاره الى ما بعد عطلة عيد الاضحى، فالمفاجآت مُستبعدة في هذه الأيام القليلة الفاصلة عن استعادة الحركة السياسية الأربعاء المقبل، ولا حديث في السر ولا في العلن عن اي مبادرة يمكن ان تكسر الجمود بين بعبدا والسرايا. ولذلك فإنّ تجوال ميقاتي سيطول، فبعد جولته على كل من البطريرك الماروني في الديمان ومتروبوليت بيروت للروم الاورثوذكس ها هو يتوجّه لأداء العمرة في مكة لينتقل بعدها الى لندن لتمضية العيد الى جانب عائلته قبل ان يفكر بزيارة القصر الجمهوري الذي لم يطلب منه اي خطوة في اتجاهه لفقدان المخارج للعقد «البحرية» المستعصية القائمة، وهو ما يدفع الى التريّث والسؤال عن إمكانية انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل ان تشكل الحكومة.

 

وللرد على هذه السؤال، يلتقي مرجعان نيابي وحكومي مع كثير من الآراء التي تتحدث عن ضغوط دولية ستثمر انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس والتي يبدأ احتسابها من 1 ايلول وحتى 31 تشرين الاول وان «البروفايل» المرسوم له قد تحوّل «رسماً تشبيهياً» يقود إلى المنافسة بين مرشحين جديين للمركز ولا يتعدى ثالثاً ما زال اسمه في الصفوف الخلفية ولن يظهر إلا بعد سقوط المرشحين في الصفين الأول والثاني.

 

وفي انتظار بعض المؤشرات التي تنتظر استحقاقين أولهما نتائج زيارة الرئيس الاميركي الى المنطقة وثانيها مستقبل الحوار السعودي – الايراني الذي يتجه بكثير من الجدية الى احتمال احياء التبادل الديبلوماسي بين الرياض وطهران قبل نهاية أيلول المقبل. وإلى تلك المرحلة لا بد من احصاء المفاجآت المنتظرة بين أسبوع وآخر وان طال احتسابها، فبين محطتين تنتهيان بنجاح زيارة بايدن في رفع إنتاج المملكة من النفط للتعويض على النقص الحاصل نتيجة العقوبات على موسكو والانتهاء من مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل في نهاية ايلول المقبل، وعندها يتوقع تعداد المحطات الايجابية كلما اقترب موعد نهاية العهد.