IMLebanon

التوازن بانتظار التسوية

 

لا شكّ بأنّ نظرية «إنتظار التسوية» استطاعت السيطرة على المسرح الإنتخابي الرئاسي، فارضةً ذاتها معادلة أساسية في النقاشات بين السياسيين، وعلى الأجواء الإعلامية والمجتمع اللبناني بشكل عام، ومُرخيةً بثقلها كمعادلة بديلة عن البحث بالمواصفات الرئاسية وعن تحديد دور الرئيس العتيد كما عن حظوظ المرشّحين والفرص المتاحة لكلّ منهم والمبادرات المطروحة أكانت تنافسية أو توافقية، فحوّلت الجلسات الإنتخابية الإسبوعية التي يدعو لها رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه برّي، مسرحيات هزلية بدل أن تكون هي الحقيقة التي ينتج عنها رئيس للجمهورية.

 

وتغلّبت معادلة «إنتظار التسوية» ليس فقط على المجلس النيابي بكامل كتله، بل هزمت أيضاً العرس الديمقراطي النيابي الذي أُنجز منذ أقلّ من ستة أشهر، في أيار 2022 حيث أفرز مجلساً كان يُنتظر منه البدء ببناء سلطة جديدة من رئيس للجمهورية الى رئيس للحكومة وحكومة فعّالة تستطيع قلب التوجّه الوطني من تراكمي باتجاه جهنّم، إلى تراكمي باتجاه إعادة بناء المؤسسات. إستطاع صاحب المعادلة الإنتظارية، أي محور «حزب الله» المُمانع لمعادلة «إنتظار عودة الدولة» تهميش أصوات الشعب اللبناني وآماله، قاضياً بذلك على الفرصة المتاحة للإستحقاق اللبناني بأن يكون بيد ممثّلي الشعب، ومُسقطاً باكراً المجلس النيابي المُنتخب ومُضحّياً بالإستحقاق اللبناني الأهمّ ليكون صنيعة التسويات الخارجية والحسابات الإقليمية التي تصبّ نهايةً في صالح تمويل إستمرارية دويلته.

 

هذا الفشل الخطير في اللعبة السياسية اللبنانية الداخلية لم يقع بفضل قوةٍ قاهرة وغازية ولم يحدث صدفةً، بل نتيجةً لإرتهان الكتل النيابية المُصنّفة في محور المُمانعة لتوقيت وحسابات مرجعياتها الإقليمية واستعدادها الدائم لتقديم المصلحة اللبنانية المشتركة كهدية للمحور العابث بأمن وحياة الشعوب المُمتدّة من الشوارع الإيرانية والعراقية واليمنية والسورية، واللبنانية ضمناً، وبالطبع ليس بإمكان «حزب الله» وحيداً فرض سياساته واستراتيجيته على كافة الأطراف اللبنانية، ولكنه حقّق ذلك بمعونة «التيار الوطني الحرّ» وأطرافٍ أخرى استسلمت لمفهوم التسرّع لعقد التسوية، متناسيةً ما حدث مع من سبقها في الإستحقاق الرئاسي السابق الى هذه المفاهيم من دون التسلّح بالتوازن المطلوب، حين أدّى ذلك الى إخراجهم قسراً من العمل السياسي الوطني بالرغم من حجم التأييد الشعبي الذي ما زالوا يتمتّعون به حتى الأن.

 

إنّ أقلّيةً غير متشابهة في الطرح وغير متراصّة في الموقف لن تقوى على أقلّية مصطفّةٍ خلف «حزب الله» تفرض معادلة «إنتظار التسوية»، وهذا ما أصبح جلياً بعد سبع جلسات إنتخابية رئاسية حاول من خلالها الفريق الرافض للإنتظار كسر تصدير الإستحقاق الى الخارج لإبقائه لبنانياً، ولكنه لم يُكلّل بالنجاح لحاجته لثلاث مقومات، تتمثّل، أولاً بالقناعة لدى الأفرقاء «التغيريين» بأنّهم لن يستطيعوا تحقيق أي تغيير إلا بالتعاون مع الأطراف الهادفة حقيقةً لقلب الواقع الحالي مع الإبقاء على التمايز بين الطرفين، وثانياً أن تتكوّن قناعة لدى الأطراف التي لم تحسم أمرها بتأييد مرشّح مواجه لـ»حزب الله» بأنّ الحوارات والنقاشات مع اصطفاف «حزب الله» لن يوصل الى مرشّح الـ86 صوتاً إلا عندما يكون هذا المرشّح لصالح الدويلة، وثالثاً بأن يصل الشعب الى قناعة بأن عليه ممارسة الضغوطات على الأفرقاء السياسيين لانتخاب الرئيس فوراً ومقاومته محاولات تبنيه بمعادلة «بإنتظار التسوية».

 

يعتقد البعض من الموُثّرين في المجتمع المدني والإقتصادي والحقوقي والسياسي بأنّ التسوية قد تجلب الأمل بالإنطلاق مجدّداً بالحياة الطبيعية والدورة الإقتصادية، ولكن فاتهم بأنّ التسوية التي تعمل لها السلطة الحالية هي كناية عن تثبيت للخطأ وللخطيئة واستمرار للموت البطيء والإنهيار الكامل، وحتى لو إستطاعت السلطة الحاكمة تحصيل بعض التمويل والمقومات المالية لتدعيم التسوية التي تعمل لها فلن تأتي مكاسبها لصالح عودة عقارب الساعة الإقتصادية للعمل، بل ستكون الأوكسجين الضروري لإبقائها هي على قيد الحياة.

 

التسوية المُنتظرة ليست إلّا صفقة مُحاصصات بين أفرقاء حكموا لبنان في السنوات الأخيرة مع من يتقدّم من الأفرقاء الآخرين الى هذه التسوية بحجّة الخروج من الجمود والتعطيل، وستُشكّل التسوية المهرب الأكيد لأفرقاء السلطة من المُحاسبة، وستُبقي لبنان محجوزاً في محور التخلّف حيث لا شراكة وطنية ولا أمل بإلإنقاذ ولا حماية للوطن ولا خروج من الوضع المأسوي والهلاك البطيء للظروف الإنسانية، أمّا الرافض لهذا المسار المُدمّر فهو الفريق المُنادي بانتخاب الرئيس فوراً والذي عقدَ العزم ورشّح إحدى الشخصيات المقتنعة بعدم جدوى انتطار التسوية وضرر الحوارات التمويهية ونقاشات ربح الوقت والتشريعات التي لا تُفيد الا معادلة «إنتظار التسوية».

 

الصمود الحقيقي يتأمّن بالتعاون والتعاضد على المرشّح غير التسووي، الذي أعلن انّ مشروعه هو المواجهة لأجل بناء المؤسسات واسترداد القرار الوطني وتحقيق الشراكة وإعادة لبنان الى علاقاته الدولية في الوقت الذي يسعى فيه الفريق التسووي الى إلغاء الإستقلالية اللبنانية، والصمود الحقيقي يتحقّق بإفشال التسوية، فالدخول إليها نتاجه ترتيبات قاتلة للشعب والوطن.

 

(*) عضو تكتّل «الجمهورية القوية»