بدء التفتيش عن فتوى دستورية لتعويم حكومة تصريف الأعمال
مرّ ما يقارب الأسبوعين على تقديم الرئيس المكلف نجيب ميقاتي توليفته الحكومية إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من دون ان يبرز في الأفق السياسي أي معطى يوحي بإمكانية تأليف الحكومة الجديدة في وقت قريب، لا بل إن ما هو متوافر من معلومات يشي بأن لا إمكانية للتفاهم بين الرئيسين على تشكيل هذه الحكومة، وبالتالي فإن حكومة تصريف الأعمال ربما ترافق الرئيس عون حتى نهاية عهده مع بروز احتمال دخول البلاد في شغور رئاسي أيضاً، وهو ما يعني ان لبنان مقبل على مرحلة أكثر تعقيداً مع وجود مروحة من المآزق التي لا قدرة لأي فريق على حل الغازها بمعزل عمّا هو موجود في المنطقة وحيال هذا المشهد غير المريح بدأ التداول في الصالونات السياسية وإن على مستوى ضيق إمكانية العمل على إيجاد فتوى دستورية تجيز تعويم حكومة تصريف الأعمال وأعطاءها الثقة من جديد من مجلس النواب الحالي كون ان المجلس القديم هو من منحها الثقة، وذلك بغية تمكنها من أخذ الصلاحيات ومنع حصول فراغ رئاسي في حال تعذر انتخاب رئيس في المهلة الدستورية المحددة لذلك، علماً ان رئيس مجلس النواب نبيه برّي أبدى استعداده الدعوة إلى انتخاب رئيس للبلاد في جلسة يعقدها المجلس مع بداية ايلول المقبل.
وإذا كانت المناخات السياسية الراهنة تؤشر إلى ان البلاد من الممكن ان تدخل لأسابيع في كوما سياسية لن يسجل فيها أي تطوّر إيجابي على المستويين الحكومي والرئاسي، فإن أوساط سياسية ترى انه من العبث الرهان على إمكانية تأليف حكومة في المدى المنظور لأسباب متعددة من بينها مضي البعض من السياسيين في اتباع سياسة النكد والكيدية في مقاربة الملفات أو الاستحقاقات، وإعطاء الأولوية للمصالح الشخصية والمذهبية من دون إدراك مخاطر هذا التوجه على الوضع العام، إضافة إلى المعطيات الدولية التي لا تصب في مصلحة لبنان في الوقت الراهن وهو ما يجعل الاستحقاق الحكومي كما الرئاسي في مهب رياح التطورات الإقليمية والدولية، والتي من الممكن ان تبدأ ملامح مساراتها المقبلة بعد الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأميركي جون بايدن إلى المنطقة، والتي سيكون لها بالغ الأثر على الكثير من الملفات التي لها تأثيراتها الإيجابية والسلبية على الواقع اللبناني.
وتلفت الأوساط النظر إلى ان لبنان بات محكوماً بالشلل على المستويين السياسي والانتاجي في ظل استمرار الاضرابات في القطاع العام مع ما يترتب عن ذلك من وقف إنجاز معاملات المواطنين، وبالتالي الحؤول دون إدخال أي ايرادات إلى خزينة الدولة، وهذا الشلل الإنتاجي ربما يكون له الآثار السلبية ذاتها الناجمة عن الشلل السياسي.
المسؤولية في لبنان كمن ينتقل من حفرة إلى حفرة في معالجة الأزمات
وفي تقدير الأوساط ان ما يجري على المستوى المعيشي إن كان في موضوع الكهرباء، أو الغاز، أو الخبز، أو المحروقات هو بمثابة حرب يواجهها الشعب اللبناني في ظل واقع سياسي مأزوم يجعل الطبقة السياسية الموجودة عاجزة عن مواجهة هذا الواقع أو الحد من تمدده إلى قطاعات أخرى، سيما وأن الفلتان الحاصل في أكثر من مجال وعدم وجود أي جهة لردع ما يجري، يفتح في المجالس أكثر امام إمكانية وقوع البلد فريسة انفجار اجتماعي يترك تداعيات خطيرة على مجمل الوضع اللبناني،وبالتالي تفلت الأمور من عقالها وتصبح إمكانية احتواء ما سيحصل أمراً مستحيلاً.
وتجزم الأوساط بأننا دخلنا فعلياً معركة رئاسة الجمهورية، وأن مسألة تشكيل الحكومة لم تعد أولوية، كون ان المساحة المتبقية إلى نهاية العهد لا تقدّم ولا تؤخّر على مستوى الملفات المفتوحة إن كان هناك حكومة مكتملة الاوصاف، أو إطالة عمر حكومة تصريف الأعمال، من دون وجود أدنى شك بأن الكباش على الكرسي الرئاسي ستكون اكلافه باهظة خصوصاً وأن أي طرف من الأطراف السياسيين اللبنانيين لديه القدرة على حسم مصير هذا الاستحقاق الذي يؤثر فيه العامل الإقليمي والدولي أكثر من العامل الداخلي.
وتقول الأوساط ان اولياء الأمر في لبنان يتصرفون كمن يذهب من حفرة إلى حفرة، بمعنى انهم عاجزون عن إنجاز أيٍّ من الاستحقاقات المطروحة في ظل اقفال الخارج نوافذه على لبنان لانشغاله بمواضيع يعتبرها أكثر أهمية وإلحاحاً في المنطقة من الوضع اللبناني.
ولا تُسقط الأوساط من حساباتها إمكانية حصول سجالات واسعة بين مختلف الفرقاء السياسيين مع اقتراب موعد الدخول في مدار الاستحقاق الرئاسي، إذ انه وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس عون انه لن يترك قصر بعبدا والسماح لحصول فراغ رئاسي، فإن هناك من يُؤكّد بأن لا خوف على حصول هذا الفراغ كون ان حكومة تصريف الأعمال تستطيع الإمساك بزمام أمور الرئاسة، في حين ان أطراف أخرى تنفي إمكانية حصول ذلك دستورياً، وهذا المشهد يبعث على الخوف من ان نكون في المرحلة المقبلة امام اشتباك سياسي باهظ الأثمان على اللبنانيين الذين لم يعد لديهم القدرة على تأمين أبسط مقومات الحياة.
من هنا فإن الأوساط ترى ان تردي الوضع المعيشي والاقتصادي نتيجة الاشتباكات السياسية الموجودة سيتفاقم كثيراً مع قابل الأيام، سيما وأن هذا الوضع يؤخر إنجاز الموازنة ويُبقي الإدارة العامة في دائرة المراوحة، مستغربة الاعتماد على الدولار الاغترابي لانعاش الوضع الاقتصادي، فهذا الدولار في اعتقاد الأوساط يقتصر على الفنادق والمطاعم وهي توضع في الخزنات ولا تدخل على الإطلاق في الدورة الاقتصادية بما يساهم في حالة النهوض والازدهار، معتبرة ان الكلام الذي يقال في هذا الصدد مبالغ فيه حيث سبق وأن دخل العام المقبل عدّة مليارات عن طريق المغتربين ولم يسجل أي تقدّم في القطاعين المالي والاقتصادي، وهذا يثبت مقولة ان الاستقرار السياسي هو الذي يؤمن الاستقرار النقدي والاقتصادي وأن أي كلام آخر هو بعيد عن الواقع جملة وتفصيلاً.