IMLebanon

مشكلة رئيس للخلل في التوازن السياسي  

 

 

موسم الشكاوى في لبنان مزدهر منذ الإستقلال. لكن مواقع الشاكين تتبدل مع متغيرات الواقع. شكوى بقية الطوائف قبل الطائف مما سميت «الهيمنة المارونية» هي اليوم شكوى المسيحيين وفي الطليعة الموارنة من «الإستخفاف السياسي» بالدور المسيحي عامة والماروني خاصة الذي كان أساس لبنان. وتعبير «الباشكاتب»عند رئيس الجمهورية لتوصيف رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة صار لتوصيف رئيس الجمهورية عند رئيسي البرلمان والحكومة.

 

وهذا التبدل لم يحدث فجأة، ولا كان صاعقة في سماء صافية. لا هو بدأ مع الشغور الرئاسي المتكرر أربع مرات حتى الآن. ولا ما زاد الشعور به هو أن تعقد حكومة تصريف الأعمال جلسة لمجلس الوزراء خلافاً للدستور، وأن تمارس من دون حق صلاحيات رئيس الجمهورية التي «تناط وكالة بمجلس الوزراء» حسب الدستور. لا القيادات المارونية المنخرطة في صراعات بينها لا تنتهي بريئة من المسؤولية عما أصاب الدور المسيحي من ضعف. ولا الدور يستعيد قوته بانتخاب رئيس للجمهورية محكوم باختيار «الثنائي الشيعي» وتغطية دوره.

 

المسألة هي وجود أزمة وطنية وسياسية عميقة تعكس الخلل الحاصل في التوازن السياسي والضرر الذي أصاب الوزن الوطني. وما يحدث بعد كل شغور وحتى من دونه هو انتخاب رئيس تديره الأزمة أكثر مما يديرها. لا خطوة في اتجاه الحل بالعودة الى التوازن السياسي واستعادة الوزن الوطني. وعلى العكس، فإن الخلل يزداد ويتعمق بمقدار ما يكبر الدور الشيعي وتصغر أدوار الطوائف الأخرى. لا فقط دور السلاح خارج الشرعية في يد حزب مذهبي مؤمن بمشروع إيديولوجي ديني مركزه طهران بل أيضاً الدور الإقليمي الذي يلعبه «حزب الله».

 

شيء من فائض القوة، وشيء من «فائض الدور» الذي يتخطى لبنان. قوة قادرة على إلحاق خسائر مهمة بإسرائيل، لكنها لا تستطيع منعها من تدمير لبنان. ودور أكبر من أن يحمله لبنان المتعب والمثقل بالأزمات والممنوع من إجراء الإصلاحات المطلوبة للتعافي المالي والإقتصادي، لأنها تضرب مصالح المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة.

 

وليس أمراً قليل الدلالات أن يفاخر صاحب فائض القوة بدور في قمع «ثورة تشرين» الشعبية السلمية التي انتهت في الشارع، وبقيت في كل بيت، وإن أنكر عليها كثيرون بتعبير «ثورة» بحجة أنها فشلت أو كانت تحمل بذور الفشل بسبب الإصرار على غياب خطة وتنظيم قيادة. ألم يقل لينين إن «الثورة هي إنتفاضة غالبة، والإنتفاضة هي ثورة مغلوبة؟».

 

الشكاوى الأهم من شكاوى القوة والضعف لدى الطوائف هي شكاوى كل الناس في كل الطوائف والمناطق من العيش في «جهنم» التي قادنا إليها أمراء الطوائف. ومن الصعب أن تبقى مجرد شكاوى من دون أن تتجدد الثورة، وإن قيل أن لبنان ليس بلد ثورات بل تسويات. فلا بد من مخرج حين يكون باب التسويات مغلقاً وباب الأزمات ممراً الى لبنان آخر فاقد لطبيعته والهوية.

 

أسوأ سياسة هي التي يختصرها مثل صيني قائل: «ما لا تستطيع تجنبه، رحّب به».