هذه المرة لا يوجد من داع لإخفاء الواقع، فكل اللبنانيين باتوا يعلمون أن «مصيرهم» ليس بيد السلطة السياسية القائمة حالياً، وربما لم تكن يوماً كذلك منذ ما قبل الاستقلال وما بعده، ومنذ الوجود السوري في لبنان وما بعد خروج جيشهم. هذا الواقع لم يعد سرّاً.
على الرغم من حالة الجمود التي تسيطر على الحراك الداخلي، بما يتعلق بالإستحقاق الرئاسي، تُظهر مواقف العديد من الأفرقاء إعترافاً مباشراً بالمساعي الخارجية التي تنشط على الخط الرئاسي والحكومي، بعد أن كانت طوال الفترة الماضية تُصر على الحديث عن ضرورة لبننة الإستحقاق، على أساس أن القوى الخارجية المؤثرة منشغلة بملفات أكثر أهمية من الملف اللبناني.
من حيث المبدأ، كان من الواضح، منذ بروز رفض بعض الأفرقاء المحليين لفكرة الحوار الداخلي، كالقوى المسيحية الكبرى، أن الملف الرئاسي بات خارج قدرتهم على السيطرة، الأمر الذي ترافق مع بروز معالم حراك خارجي، يقوده بشكل أساسي الجانبان الفرنسي والقطري، وهو ما يبرر الزيارات التي تقوم بها بعض القيادات إلى الخارج، لا سيما رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
بناء عليه، يصبح من المنطقي الحديث عن أن الجميع ينتظر ما قد يأتي من الخارج، تحديداً مع بداية العام الجديد، خصوصاً أن غالبية الأفرقاء المحليين غير قادرين على رفض أي تسوية تحظى بإجماع دولي وإقليمي، ومن ضمنهم «حزب الله» وإن كان الفريق اللبناني الوحيد الذي يملك الكثير من الأوراق القادر على إستخدامها، في حال لم يكن راضياً على ما تضمنه التسويات، مع العلم أن أحداً لا يرغب بتسوية لا تُرضي الحزب كونه قادر على إعاقتها بسهولة.
على الرغم من ذلك، من يراقب مواقف الحزب، منذ بداية الأزمة حتى اليوم، يتأكد من أنه لم يذهب إلى رسم خطوط عريضة بملف الرئاسة لا يمكن له التراجع عنها، بدليل أنه لم يذهب إلى تسمية أي مرشح رئاسي حتى الآن، بالتزامن مع تكرار دعوته الأفرقاء المحليين إلى الحوار، ومن المسلم به أن أي حوار بين أفرقاء متخاصمين يجب أن يقود إلى تسوية وسطية بينهما، أي بمعنى أن تتضمن تنازلات متبادلة.
وبالتالي يمكن التأكيد أن الحزب جاهز منذ البداية إلى البحث في التسوية، لكن الجديد اليوم يكمن بأن الحزب، كغيره من الأفرقاء، بات مقتنعاً بأن مفتاح هذه التسوية هو في الخارج لا الداخل، وتحديداً في الإقليم، أي بين إيران والسعودية، وهو ما عبر عنه النائب عن كتلة «الوفاء للمقاومة» علي فياض، من خلال حديثه مؤخراً عن أنه تبين أن في الملف اللبناني نوعاً من حلحلة ما على المستوى الإقليمي، متوقعاً مع بداية العام أن نشهد تحريكاً للملفات.
إن هذا الإقتناع بالدور الخارجي والتصريح به علانية من قبل الحزب وغيره، يعني أن حوارات الداخل سقطت الى غير رجعة، لا في المجلس النيابي ولا حتى في بكركي، وبالتالي خرجت اللعبة من يد قوى لبنانية عديدة، وبقيت بيد من هم أقوياء خارج الحدود، لذلك يُمكن فهم أيضاً رغبة باسيل بزيارة الدوحة مراراً وتكراراً لأن مسرح اللعبة اللبنانية أصبح خارج الحدود.