الخيارات أمام الثنائي تدخل في مرحلة مفصلية بالغة الصعوبة
بالتأكيد، فإن ما بعد الاتفاق السعودي الإيراني، لن يكون كما قبله، في ظل ما ينتظر المنطقة من تطورات، مع وجود توجه سعودي صادق لمد اليد إلى الإيرانيين، سعياً من أجل تطبيع العلاقات الثنائية، بما يعود بالخير والاستقرار على جميع دول المنطقة، ومنها لبنان. وقد كان لافتاً ما أشار إليه وزير المالية السعودي محمد الجدعان، من إمكانية حصول استثمارات سعودية في إيران قريباً جداً. وهذا مؤشر واضح على أن الأمور ذاهبة إلى مزيد من تعزيز العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران في المرحلة المقبلة على مختلف الأصعدة، في وقت سيزور أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني الإمارات المتحدة، للبحث في ملفات تهم البلدين. وهي زيارة لا يمكن فصلها عن المستجدات المتصلة بتطورات الاتفاق السعودي الإيراني.
وإزاء ذلك، فإن التطورات الإيجابية التي أعقبت توقيع هذا الاتفاق، تستدعي برأي أوساط دبلوماسية عربية، من المسؤولين اللبنانيين، أن «يبادروا وبسرعة إلى الاستفادة من الأجواء المريحة التي خلقها التقارب بين الرياض وطهران، لاتخاذ قرار بالغ الأهمية وعلى مستوى الحدث، بطي صفحة خلافاتهم، والتوافق على اسم رئيس الجمهورية الذي سيلقى كل الدعم والمساندة من الخارج، وتحديداً من الدول الخليجية التي يهمها أن ترى لبنان بأفضل صورة، وقد استعاد دوره على مستوى المنطقة والعالم»، مشددة على أن «الفرصة الآن تبدو سانحة، لإنجاز هذا الاستحقاق، بما يطوي صفحة الشغور الرئاسي الذي حذر رئيس مجلس النواب نبيه بري من مخاطر إطالة أمده، بحكم تداعياته المقلقة على الاستقرار في لبنان».
وفيما كان لافتاً سفر السفيرين السعودي والإيراني لدى لبنان إلى بلديهما، بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، فإن الأجواء التي تسربت عن لقاءات السفير وليد البخاري مع القيادات السياسية والروحية التي زارها، لا تشير إلى حصول أي تغيير في موقف المملكة العربية السعودية من موضوع الانتخابات الرئاسية، وتحديداً ما يتصل بمواصفات رئيس الجمهورية العتيد. لجهة ضرورة أن يختار اللبنانيون رئيساً نظيف الكف وليس محسوباً على هذا الطرف أو ذاك، وإنما لديه القدرة على إخراج لبنان من صراع المحاور، وبإمكانه استعادة الثقة العربية والدولية، وأن يكون بعيداً من الفساد. وأن المسؤولية الأساسية لا زالت على عاتق اللبنانيين، استناداً إلى ما كشف النقاب عنه، نتيجة هذه اللقاءات، في التوافق على اسم رئيس الجمهورية الجديد، لأن أحداً من الخارج لن يفرض على اللبنانيين رئيس جمهوريتهم.
وإذ ترسم أوساط معارضة صورة سلبية عن مستقبل الأوضاع في لبنان، إذا استمر «الثنائي» متمسكاً بخيار مرشحه سليمان فرنجية، فإنه بدا لافتاً ما قاله عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب مروان حمادة، من أن «فرنجية يواجه معارضة سعودية واميركية. وحتى الساعة لم تتبنّه الدول العربية الأعضاء في مجموعة الخمس التي تقف مع السعودية»، مشيراً إلى أنّ «القضية لا تكمن باسم سليمان فرنجيّة أو شخصه إنّما بمن رشّحه وبالتالي فإن الضمانات غير متوفّرة». ما يعني أن فرنجية لا يتمتع بالمواصفات المطلوبة لجمع اللبنانيين، لأن بيئته المسيحية لا تريد انتخابه رئيساً، بدليل معارضة «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب»، له ليكون رئيساً للجمهورية، فكيف يكون والحالة هذه قادراً على جمع اللبنانيين؟». الأمر الذي يفرض على «الثنائي» البحث عن خيارات أخرى، بعد المعادلة الجديدة التي أرساها الاتفاق السعودي الإيراني، وهو ما يجب أن يستفيد منه لبنان، على غرار دول الإقليم.
وانطلاقاً من حجم الاعتراضات التي ظهرت على خيار تبني ترشيح رئيس «المردة»، فإن الأوساط المعارضة، تستبعد أن يصل فرنجية إلى قصر بعبدا، طالما أن هناك قسماً كبيراً من اللبنانيين يعارض وصوله، في حين أن المواصفات السعودية للرئيس اللبناني الجديد، تتطابق إلى حد كبير مع ما يطالب به المجتمع الدولي، لناحية التوصل إلى انتخاب رئيس توافقي. بينما لا يمكن القول أن فرنجية شخصية توافقية، لا بل أنه مرشح فريق يتحمل مسؤولية أساسية في وصول البلد إلى ما وصل إليه من انهيارات على مختلف الأصعدة.وإلا لماذا هذا الإصرار على الرجل بعينه، دون غيره من الأسماء؟، مع أن داعميه يدركون قبل غيرهم، أنه من غير الممكن انتخابه، بعدما أكد نواب المعارضة أنهم لن يؤمنوا نصاب أي جلسة لانتخاب رئيس «المردة».
رسائل الموفدين أجمعت على البناء على ما تم التفاهم حوله في اتفاق الرياض – طهران وسفر السفيرين له دلالات مهمة
وعلى هذا الأساس، فإن الرسائل الدبلوماسية التي حملها عدد من الموفدين الذين زاروا لبنان في الساعات الماضية، أجمعت على أهمية البناء على ما أسس عليه اتفاق الرياض وطهران للمرحلة المقبلة، وتحديداً ما يتصل بالانتخابات الرئاسية. وفي أن تتضافر جهود القيادات اللبنانية، الموالية والمعارضة، من أجل وضع مصلحة بلدها أولوية. ولهذا يجب عدم الإصرار على مرشحي مواجهة، وإنما البحث عن الاسم الذي يحظى بإجماع، أو شبه إجماع من جانب القوى السياسية الداخلية. والأهم من كل ذلك، أن يتمتع المرشح للرئاسة بدعم شعبي وازن، يمكنه من تنفيذ برنامجه الرئاسي.