انهار أوّل بنك في أوروبا، البنك المركزي الأوروبي ألغى ترخيص بنك البلطيق الدّولي، المضحك ـ المبكي أنّ الرّئيس الأميركي جو بايدن يطمئن المودعين أنّ أموالهم بخير، نحن أيضاً أخبرونا أن الليرة بخير والمصارف بخير وأموال المودعين بخير،هذا فخٌّ معتاد ينصبونه للنّاس ليخدّروا به هواجسهم ومخاوفهم، وبالرّغم من تطمينات بايدن منيت أسهم القطاع المصرفي حول العالم بخسائر كبيرة!
أمّا في لبنان، فخرج أحدهم بالأمس بنظريّة أنّه “يقبل للثّنائي المسيحي أن يفرض رئيس بلديّة في بشرّي أو في البترون، أمّا رئاسة الجمهوريّة فهذا استحقاق وطني وليس طائفياً” من دون أن يتنبّه النّافخ في بوق الدّعاية لمرشّح حزب الله أنّ فريقاً طائفياً يفرض قراره على كلّ الطوائف الأخرى ويسرق منها حقّها في اختيار من يمثّلها في رئاسة الجمهوريّة، أيّ منصب وطني هذا الممنوع فيه على بطريرك الموارنة ورؤوسهم وقياداتهم اختيار رئيس للبلاد فهل الوطنيّة أن يقهر حزب مدجّج بالسّلاح كلّ الطوائف ويفرض رئيساً للبلاد بقوّة السّلاح وأكثر من ذلك “الخطّ مرسوم عجبينو”، هل تذكرون أيّام الخطّ وأتباعه البائدة، ومن غريب تبريرات حظوظ المرشّح أنّ جلالة الملك سلمان نام ذات ليلة سياحة في إهدن، فهل هناك استخفاف بالعقول أكثر من ذلك!
والحقيقة أن مركزيّة إشكاليّة انتخاب رئيس للجمهوريّة لا تزال على عقدتها منذ قرّر الرئيس بشارة الخوري الترشّح لولاية ثانيّة وحتّى لم يبقَ ماروني واحد إلا وطمع في الرّئاسة وكرسيّها، ولو لم تكن المشكلة مسيحيّة – مارونيّة صرف لما استطاع حزب الله النّفاد من هذا الشّرخ ليتحكّم ويفرض على اللبنانيّين رئيساً يؤمّن له مصالحه ولو على حساب موت البلاد والعباد!! في أيّار العام 2014 تحدّث سفير المملكة العربيّة السعوديّة آنذاك علي عواض العسيري فقال كلاماً جوهريّاً ومن على منبر بكركي وكلامه لا يزال ينطبق على هذا الواقع المفروض علينا حتى اللحظة، يومها قال العسيري:”هذا الاستحقاق [الرئاسي] يقع على عاتق المسيحيين في الدرجة الأولى، ومسؤوليتهم الكبيرة تجاه بلدهم (…) هذا الموقع الرئاسي يخصّ الطائفة المسيحية بالدرجة الاولى” وهذا كلام حقّ ولكن!
يعرف اللبنانيّون قبل دول العالم أنّ الانقسام اللبناني عمره من عمر لبنان، سواءً اتّخذ في مرحلة صيغة انقسام مسيحي ـ إسلامي، أو صيغة انقسام إسلامي ـ إسلامي، أو صيغة انقسام مسيحي ـ مسيحي، لبنان لا يقوم إلا على الانقسامات و”التوافق الوطني” غالباً ما يكون لحظة عابرة وموقتة، وحتى نكون صادقين مع أنفسنا ومع القارئ، عمر الانقسام المسيحي من عمر الكنيسة، منذ النساطرة واليعاقبة والصراع على “طبيعة المسيح”، وعمر الانقسام الإسلامي بدأ منذ لحظة ردّة قبائل عدّة عن الإسلام مع إعلان وفاة نبيّ الإسلام ، ونظرة على تاريخ الإسلام والصراعات الدموية التي تخللت تاريخ المسلمين وتفرّقهم مذاهب وطوائف، ونظرة على تاريخ المسيحيّة والصراعات الدمويّة التي تخللت تاريخ الكنيسة وانقساماتها إلى مذاهب وطوائف، تؤكّد أن الانقسام هو الحال دائماً وإن تهيّأ لنا في مراحل عابرة أنّ الجوهر هو الوحدة، لكنّ هذه الوحدة مجرّد تهيّؤات!