لم يكن حدثا مستجداً، ان يعطل حزب الله انتخاب رئيس جديد للجمهورية هذه المرة، بل قد يكون مستغربا إذا لم يعطل مثل هذا الاستحقاق، وسهل اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد، بلا عراقيل متعمدة، لانه بذلك يكون قد غير نهجه وسياساته، وحتى اهدافه التي يسعى الى تحقيقها جراء ذلك.
هكذا بدأ الحزب سياساته في عرقلة انتخابات رئاسة الجمهورية للاطباق على الحياة السياسية في لبنان، بعد انسحاب جيش النظام السوري في ربيع العام ٢٠٠٥، بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مباشرة.
فسِجِلْ حزب الله بعرقلة وتعطيل اجراء الانتخابات الرئاسية حافل، تكرر أكثر من مرة، مباشرة او بواسطة حلفائه، بتعطيل النصاب او حتى باغلاق المجلس النيابي قسرا، وبقوة سلاح مقاومة إسرائيل، اذا كانت النتيجة المتوقعة، لاتوصل مرشحه.
وعمّم الحزب هذا الأسلوب على تشكيل الحكومات، بعدما ضمن رئاسة المجلس الى جانبه في تغطية توجهاته، لتلاقي مصالح تارة، او مسايرة لتفادي اشكالات ليست لمصلحة احدهما تارة أخرى، وكان يضع التيار الوطني الحر بالواجهة مرارا، اويتولى الامر مباشرة اذا دعت الحاجة لذلك، باحتلال وسط بيروت بالسلاح، بالقمصان السود، بالانقلاب على التفاهمات والعهود والالتزامات.
ولم تنفع معه تجارب الاتفاقات، الرباعية منها، اوحكومات الوحدة الوطنية، حتى مؤتمرات الحوار الوطني وتوصياتها، ولا صيغة ربط النزاع، وما شابه. كل الصيغ جربت معه، تليها تهدئة ظرفية لالتقاط الانفاس. ولكن عبثاُ، يتملص وينكث العهود والوعود والاتفاقات المعقودة، لا فائدة مرجوة، لان هدفه الأساس مصادرة السلطة وقراراتها، وتطويعها لمصلحة دولة الحزب الخاصة على حساب مصلحة الدولة والشعب اللبناني.
فهذه المرة، كرر الحزب سياساته السابقة باسلوب فرض الفراغ مع حلفائه، الاقتراع بالورقة البيضاء، وتعطيل نصاب الدورة الثانية، لقطع الطريق على اي مفاجأة غير محسوبة، قد تؤدي إلى انتخاب مرشح المعارضة النائب ميشال معوض للرئاسة.
فحاول جرّ المعارضة لحوار شكلي، وهو المعروف عنه استبعاد كل أشكال الحوار، والتملص من نتائجه، وامتهانه الترهيب، لتطويع خصومه وتحقيق اهدافه الخاصة، لفرض مرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، باسلوب ظاهره حواري، وباطنه ترهيبي. ولما فوجىء بالرفض من قبل مكونات المعارضة وحليفه المتضرر، لجأ إلى تطويع الدور الفرنسي في اللقاء الخماسي، لتدبيج مبادرة، تروج لانتخاب مرشحه للرئاسة الاولى، بالرغم من رفض الاطراف السياسيين المعارضين، وبينهم الكتل النيابية المسيحية الثلاث وغيرهم، وحتى باقي دول لقاء باريس ايضا، ما ابقى الانقسام السياسي الحاد حول انجاز الانتخابات الرئاسية على اشده، والاستمرار بالدوران بالحلقة المفرغة على حاله.
اصبح الخروج من المازق يتطلب تجاوز وهم فرض مايسمى بالمبادرة الفرنسية بالتعطيل، وزيادة انحدار لبنان نحو الأسوأ، إذا كانت النوايا صادقة، والدخول في مناقشة سبل الخروج منه بالحوار اوالتشاور، بعيدا عن الاستفزاز والتحدي.
صيغة انهاء الفراغ الرئاسي، تتطلب انهاء التمترس وراء المواقف الجامدة لكل الاطراف، والتي لم تنتج انتخاب رئيس للجمهورية حتى الان وهذا ممكن، لإخراج لبنان من ازمته ظل الانفراجات العربية والاقليمية، والا فإن الاستمرار في نهج التعطيل من قبل حزب الله تحديدا، في محاولة لتكرار تجاربه السابقه، بفرض فرنجية مرشحا للرئاسة، حتى وان نجح، برغم من صعوبة ذلك واستحالته، هذا يعني انه ليس بوارد اخراج لبنان من ازمتة، بل بالاستمرار في انتخاب رئيس، يكون واجهة لسيطرته على الدولة، برئاساتها ومؤسساتها، كما فعل بالعهود السابقة.