IMLebanon

رسالة خارجية للرئيس العتيد “تعى ولا تجي”!

 

أضاءت جولة سفراء «لقاء باريس الخماسي» على المسؤولين اللبنانيين وخصوصاً تلك التي قام بها السفير السعودي وليد البخاري على جوانب مهمّة من أعماق الأزمة الرئاسية. وأظهرت بما لا يرقى اليه الشك حجم الخلافات الخارجية بما يعزز الانقسام الداخلي. وهو ما يقود إلى آلية جديدة لمقاربة الاستحقاق، بعدما رصدت رسالة خارجية تقول للرئيس العتيد الذي سيجمع ثلثي اعضاء المجلس النيابي «تعى ولا تجي». كيف يمكن قراءة هذه المعادلة؟

مع دخول البلاد الشهر السادس من خلو سدّة الرئاسة من شاغلها، تقلّصت السيناريوهات المتداولة في شأن مسار الاستحقاق الرئاسي دون بلوغها الحدّ الأدنى بعد. وثبت بالقليل مما انتهت إليه الجولات الديبلوماسية المكثفة لسفراء «لقاء باريس الخماسي»، سقوط البعض منها إلى غير رجعة. ومن بينها تلك التي بُنيت على أنقاض الحرب النفسية المعلنة التي قادتها قيادات سياسية وحزبية من مواقع مختلفة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، والتي عززت تلك التي تشارك فيها الجيوش الالكترونية والاعلامية، بما يزيد من حجم التشابك بين ما يمكن اعتباره من فروض اللعبة الداخلية واصولها، وتلك الاقليمية والدولية، ولو تميّزت بفوارق كبيرة. وهي عملية فرزت بين من لا يزال يسعى إلى تسوية خارجية يمكن الاتكال عليها لتغيير الموازين الداخلية، واخرى محلية، تراهن على تفاهمات داخلية «شبه مستحيلة» في ظلّ الشروط والمواقف المتناقضة.

على هذه القاعدة التي نضحت عناوينها من خلال الاتصالات الجارية، لا يمكن المراقب ان يتجاهل إصرار بعض القوى على استدراج الموافقة الخارجية على مرشحه، اعتقاداً منه أنّها ستدفع بقوة إلى فتح الطريق إلى توافق داخلي، وهو امر غير مضمون حتى اللحظة. وعليه، يمكن ادراج موقف «الثنائي الشيعي» الذي لم يخف للحظة إصراره على نيل موافقة السعودية على مرشحه رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، لتقرير الخطوات اللاحقة، وهو ما أكّده رئيس مجلس النواب نبيه برين عندما اشار الى انّه ما زال ينتظر موقفاً واضحاً في هذا الاتجاه، كما وافاه فرنجية بنفسه في أكثر من إطلالة.

 

وانطلاقاً من هذه الحقائق التي لا يتنكّر لها احد، يمكن لأصحاب هذه المصلحة ان يتيقنوا بأنّهم لم ينالوا بعد كل مبتغاهم، وإن قطعوا نصف الطريق إلى ما يريدونه لمجرد ان يُنقل عن البخاري قوله ـ كما نقل عنه المسؤول الاعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض- بعد زيارته إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي «انّ المملكة ليس لديها اي اعتراض على اي مرشح رئاسي يحظى بثقة اللبنانيين أنفسهم، وسترحّب بمن ينتخبه المجلس النيابي». ولكن ذلك لا يكفي لتكتمل الرغبات والتمنيات لدى من طلب الدعم السعودي. فالرعاية لبلوغ المحطة التالية ستكون صعبة ومعقّدة، بدليل ما عبّر عنه البخاري في اللقاء عينه مع البطريرك الراعي، فبعد تأكيده اهمية وضع حدّ للفراغ الرئاسي الذي تعتبره المملكة يهدّد كل المساعي الآيلة إلى تحقيق تطلعات المجتمع اللبناني، قال إنّ «الاستحقاق شأن سياسي داخلي لبناني بامتياز، وقرار الخيارات السياسية يؤخذ ويصنع في بيروت».

 

 

ولمن لم يقتنع بمجموعة المؤشرات الدالة إلى عدم استعداد المملكة بعد إلى الانخراط في معركة انتخاب الرئيس في الداخل اللبناني، فقد ثبت أنّها لم تقرّر التدخّل المباشر لدى الكتل النيابية الصديقة لها. فالبخاري قال: «إنّ المملكة ضدّ الإملاءات في هذا الموضوع من اي جهة كانت». وهو كلام يشكّل اعلاناً صريحاً عن انّه لا يمكن ان يطالبها اي طرف لبناني بالتدخّل المباشر لتبديل موازين القوى.

 

وإن صحّت بعض الإيحاءات بأنّ للمملكة حلفاء وأصدقاء كمثل كتلة «القوات اللبنانية» مثلاً، فإنّ موقف الاخيرة الرافض لفرنجية واضح ولا يحتمل اي جدل، وإن اراد احد إضافة كتلة «الحزب التقدمي الاشتراكي» سينال الجواب عينه. وإن إتجهوا إلى موقف كتلة نواب «الكتائب اللبنانية»، فما عليه سوى العودة إلى تجارب سابقة، عندما احتفظت وحدها بموقفها الرافض للتسوية العام 2016، وفي ذلك جواب ما زال صالحاً لرفع الكتلة عن هذه اللائحة.

 

وبناءً على ما تقدّم، فإنّ الحديث عن حرص المملكة على ان يُدار الاستحقاق الرئاسي من الداخل، لا يتناقض ومواقف نظرائها من ممثلي أطراف «لقاء باريس الخماسي». وتكفي الإشارة إلى الموقف القطري المتشدّد، والاميركي الذي لا يفترق كثيراً عنه، وإن اقترب اكثر إلى الموقف السعودي، ليبقى السؤال مطروحاً عن الموقف المصري. وهو أمر يمكن الإجابة عنه بالقول، انّ انشغال مصر بأحداث الداخل السوداني التي تهدّد مصالحها الحيوية الممتدة من تداعيات سدّ النهضة في إثيوبيا إلى الوضع الإقتصادي في مصر، هو ما يشغلها عن الهمّ اللبناني، من دون ان تغيب عن الساحة اللبنانية بالحدّ الأدنى من الحضور.

 

على هذه القواعد والخلفيات، بُنيت النظريات عن رؤية جديدة لمقاربة الاستحقاق الرئاسي. فالجهود التي بُذلت إلى اليوم على أكثر من مستوى لم تنتهِ بعد إلى ما يشتهيه أصحابها لا في الداخل ولا في الخارج، ولا بدّ ان تحمل الايام المقبلة طلائعها المتمثلة بطروحات جديدة يعمل عليها في أكثر من عاصمة يمكن ان تُطرح في المرحلة المقبلة. ولذلك يتحدث البعض عن محطات اجبارية لا بدّ من عبورها، وهو امر متعذر حتى اللحظة.

 

واستناداً الى هذه النتائج والتوقعات، يبدو واضحاً انّ إطلالة البخاري من دارة الرئيس تمام سلام في المصيطبة، خطوة لا بدّ من التوقف عندها، لما يمكن ان تحمله من مفاجآت. ففي هذه الزيارة التي حظي بها سلام دون غيره، تشكّل رداً مباشراً على المبادرة الفرنسية، إن بقيت باريس مصرّة على ثنائية سليمان فرنجية ـ نواف سلام. وهي تدعو إلى ضرورة تغيير المعادلة الفرنسية الى أخرى، تضمن توحيد الفريق الخماسي، قبل البحث في إمكان تعديل المواقف الداخلية المتباعدة إلى درجة يستحيل معها التوصل إلى إجماع على مرشح واحد او إثنين حتى اليوم.

 

وإلى هذه المعطيات، فإنّ النظرة إلى مبادرات الداخل، تدعو إلى التوقف عند مبادرتي نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد النائب غسان سكاف، وما يمكن ان تؤديا اليه. فإن نجح سكاف في التوصل إلى مرشح يوحّد المعارضة، ستكون مفاجأة غير مسبوقة يعوّل عليها لقراءة المشهد الانتخابي الذي يليها. اما مبادرة بوصعب، فقد انتهت كما بدأت من دون اي جديد او تطور يُذكر، وهو ما يشير إلى انّ اي مسعى لطاولة حوار بعيد المنال.

 

وفي الخلاصة التي لا بدّ منها، فإنّ قراءة المشهد بكامله لا يبشر بصورة واضحة ونقية للاستحقاق، ولذلك يمكن تلخيصه بضرورة انتظار الرسائل الخارجية التي قالت لأي مرشح يمكن ان يحظى بنصاب الثلثين «تعى ولا تجي».