عندما تُبدي ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا حماسة غير مسبوقة على انتخاب رئيس للجمهورية، فهي تنطلق بحماستها من ضرورة تأمين الاستقرار في لبنان لضمان الاستقرار في «اسرائيل»، ومناورة حزب الله العسكرية تأتي أيضاً في سياق توجيه الرسائل للخارج بخصوص هذا الاستقرار، الذي تطمح إليه الدول المعنية بالشأن اللبناني، وهو ما يفرض على هذه الدول عدم الدفع بالحزب باتجاه التصعيد، وكبح جماح العقل العسكري «الاسرائيلي»، الذي لا يزال يلوّح بتصعيد عسكري في المنطقة.
لا ينفصل الملف العسكري والأمني في المنطقة عن الملف الرئاسي ومستقبل لبنان، بحسب مصادر سياسية، فضمان الاستقرار بالبلد يعني ضمان مستقبل شعبه، وأولى الخطوات على طريق تحقيق هذا الهدف هي بانتخاب رئيس جديد، والبدء بمسار خروج لبنان من أزمته.
انتهت القمة العربية ومن المفترض أن تبدأ بعدها تحركات جديدة. ففي لبنان يُتابع السياسيون التطورات بشكل دقيق، بعضهم يملك القدرة على القراءة السليمة، برأي المصادر، وبعضهم يُعاني بقراءاته السياسية منذ فترة، ولعل رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من «أشطر» من قرأوا في السياسة في لبنان، وهذه القراءة سبب قراراته الرئاسية مؤخراً.
لم يُقدّم جبران باسيل جواباً للمعارضة بعد حول المرشح الرئاسي، الذي يمكن أن ينافس رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، لكن الجديد كان تقديم اشارة حول الخيارات من خلال عضو التكتل آلان عون الذي كان الأوضح، عندما قال أن التيار لن يسير بمرشح لا يرضى عنه حزب الله ، وهذا بالطبع لم يكن موقفاً اعتباطياً، بل له أسبابه ومؤشراته.
واكدت المصادر ان الأمور في المنطقة تسير لصالح القوتين الأكبر فيها، أي إيران والسعودية، والقرار المتفق عليه من الدولتين في لبنان هو عدم التدخل في الملف الرئاسي بصورة مباشرة، وبالتالي يُعتبر هذا القرار انتصاراً لحزب الله، الذي لطالما كانت ايران تقول بأن القرار في لبنان بيده، ونفس الكلام سُمع أيضاً بحسب مصادر متابعة في سوريا، عندما تم الاستفسار من مسؤولين فيها عن الموقف من الانتخابات الرئاسية في لبنان، وبالتالي فإن الحزب هو الأقوى رئاسياً، والأهم أن الحزب سيكون حاضراَ وقوياً بالمرحلة المقبلة من عمر لبنان والمنطقة، ومن يتحالف معه في زمن صعب، لا يتخلى عنه في زمن القوة.
من الطبيعي والمنطقي، أن قراءة باسيل للمستقبل السياسي في المنطقة تجعله يتمسك بفكرة أن لا يكون المرشح المواجه لسليمان فرنجية تحدياً لحزب الله لسبيين أساسيين: الأول هو استحالة وصوله، والثاني لأن ذهاب «التيار الوطني الحر» الى تبني ترشيح أحد المرشحين المعارضين لحزب الله والمقاومة، سيكون خياراً لا عودة عنه بالنسبة للحزب، ومضيّ التيار بهذه الطريق، يعني انتهاء حقبة وبداية أخرى بالنسبة للعلاقات بين الطرفين.